الطبقة المعادية!
في مسعى للهروب من حل المشاكل والأزمات، الاقتصادية والمعيشية والخدمية، وسواها من الأزمات التي تمس حياة المواطن السوري ومعيشته اليومية، يقوم المستغلون والمتنفذون والفاسدون، وأدواتهم بتجيير مسؤولية هذه الأزمات على المواطن نفسه، بعناوين مختلفة.
كأن يقال عن أزمة ما، أن السبب من خلفها جوهره أخلاقي أو تربوي أو مجتمعي، أو سواها من العناوين العامة والفضفاضة، التي لا تصب بخدمة حل المشاكل والتخلص من الأزمات، بقدر ما تصب باتجاه خلط الأوراق والتعمية عن السبب الحقيقي خلف ذلك كله، والمتمثل بجملة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والتعليمية، وغيرها من السياسات المتبعة والمفروضة، والتي هي وحدها تقف خلف المشاكل والأزمات كلها التي يعاني منها المواطن والوطن، منذ عقود وحتى الآن، بما في ذلك الحرب والأزمة واستطالاتها وامتداداتها، مع عدم إغفال حقيقة الانعكاسات السلبية لهذه السياسات على العناوين السابقة كافة، إن كانت أخلاقية أو تربوية أو غيرها.
استغلال وتماهي وتعامي
ما أسهل من أن يتذرع أحدهم مثلاً؛ بأن ما يتعرض له المواطن من استغلال بشكل يومي في الأسواق، والمتمثل بالأسعار المرتفعة، وتدني الجودة والمواصفة والغش، وغيرها من الأساليب، بأن سببها هو سوء أخلاق شريحة الباعة، بعيداً عن المسبب الحقيقي والمتمثل بذاك التاجر الكبير أو المستورد أو المحتكر، المتحكمين بالأسواق على المستويات كافة، اعتباراً من السعر والمواصفة والجودة، مروراً بالكم والنوع، وليس انتهاءً بالتحكم بآليات العرض والطلب، مع ذاك التماهي من التغاضي والتعامي من قبل أجهزة الرقابة الرسمية، والقائمين عليها من كبار الفاسدين، بالإضافة إلى المستفيدين الصغار منهم.
والأهم من ذلك كله، هي تلك السياسات التي فسحت المجال واسعاً أمام هؤلاء المستغلين من الكبار، والفاسدين كباراً وصغاراً، من أن يكونوا بعيدين عن أعين الرقابة والمحاسبة الحقيقية، حيث غالباً ما يتمتعون بنوع من الحصانة أو الحماية القانونية، بموجب نصوص تشرعن تحكمهم وسوء أعمالهم، كما تشرعن استغلالهم وسوء إداراتهم.
تجيير الحنق المتنامي
هذا النموذج من التعمية المتبعة من قبل هؤلاء، سواء عبر التصريحات الرسمية أو عبر الديباجات والعناوين الإعلامية، يُصدِر مشاكل وأزمات المواطنين إليهم مرة أخرى، وكأنها من نتيجة أفعالهم وانعكاساً لها، وذلك تجييراً للحنق المتنامي، جراء سوء وتردي الواقع الاقتصادي والمعيشي والخدمي والأمني، بدلاً من أن يكون باتجاه القائمين على خلق هذه المشاكل والأزمات، وأبدعوا في الاستفادة منها، كما أبدعوا في التهرب من مسؤوليتها.
وإن لزم الأمر وكان هناك اضطرار لتحمل مسؤولية ما، يتم اللجوء إلى التسويف والمماطلة، عبر الوعود التي يغلب عليها الطابع الخلبي من حيث النتيجة، أو عبر إجراءات مهلهلة وغير فاعلة، تقف عند النتائج بعيداً عن الأسباب، مع الكثير من العبارات الوطنية الطنانة التي تغلف انعدام المسؤولية وتُجملها، بل وتبرر السوء والاستغلال، والمزيد منه بالكثير من الأحيان، وما أكثر الشواهد على ذلك.
المزيد من الكذب والافتراء
أي زيف وكذب وتضليل، وصل حد الافتراء على المواطنين بجعلهم وقوداً وحطباً، لمشكلات وأزمات لم يكونوا بحال من الأحوال هم سببها، بل لم يكونوا إلا ضحاياها على مر العقود.
وقد تم تكرس ذلك خلال فترة الحرب والأزمة، بالمزيد من التضليل والكذب والافتراء، من أجل تغطية الارتكابات الجديدة كافة التي أبدع فيها أولئك الوافدين الجدد على مستوى الاستغلال كذلك، والمتمثلين بتجار الحرب والأزمة، وممارساتهم السلبية التي يتم التغطية عليها غالباً، اعتباراً من المزيد من الاستغلال عبر التحكم بالأسعار ارتفاعاً، مروراً بالتلاعب بالقيمة الشرائية لليرة السورية، والسعي إلى المزيد من انحداره، بالإضافة إلى التشبيح والتعفيش، وبالإذلال والتحقير، وليس انتهاءً بعمليات الخطف من أجل الفدية، والقتل المجاني والعبثي.
شرائح معادية
المواطنون عموماً لم تعد تنطلي عليهم الخدع التضليلية، ووسائل التعمية، بأساليبها وعناوينها وأدواتها المختلفة، حيث بات الجميع يدرك بأن هناك طبقة واحدة موحدة، مترابطة ومتشابكة فيما بينها، هي المستفيدة من المشاكل والأزمات كلها التي يعاني منها الوطن والمواطن، تتمثل بكبار التجار وكبار المستوردين والفاسدين من المتنفذين في المواقع المفتاحية المسؤولة هنا وهناك، مع أدواتهم وشركائهم في الداخل والخارج، وتعدد وسائلهم وأساليبهم، بما في ذلك الترهيب والترغيب.
كما اتضح مؤخراً، بظل الحرب والأزمة، أن هذه الطبقة أصبحت معادية للمواطن ومصالحه على طول الخط، كما أنها باتت معادية للوطن كذلك الأمر، بظل الكثير من الشكوك بعلاقاتها وارتباطاتها، المحلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك أيضاً العلاقات مع الكثير ممن يحمل السلاح من الإرهابيين، مع مزوديه ورعاته وحُماته، ناهيك عن دورها المشبوه بالتجارات غير المشروعة، اعتباراً من تجارة السلاح، مروراً بالمخدرات والرقيق الأبيض، وليس انتهاءً بتجارة الأعضاء البشرية، وغيرها من التجارات السوداء الأخرى عابرة الحدود، مع نتائجها السلبية كلها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
تشاركية مع الخارج
عبر المزيد من الدمار والإفقار
ما نكابده الآن، من حرب وتشرد ونزوح، وإفقار وجوع وعوز، وفلتان أمني، وتردٍ بالوضع الاقتصادي والمعيشي والصحي والخدمي، وتغول الظواهر السلبية على المستوى الاجتماعي، وغيرها الكثير من الأزمات والمعاناة، الفردية والعامة، ما هو إلا انعكاس مباشر لسوء ممارسات هذه الطبقة المعادية، بالتنسيق والتوافق مع الكثير من القوى الإقليمية والدولية، وهي بآن ترسم لنفسها الأحلام باستثمار ما نهبته خلال عقود، من استغلالنا واستغلال مقدرات الوطن، بمشاريع إعادة الإعمار القادمة، على سبيل المثال لا الحصر، بالمشاركة والتشاركية مع الرساميل الأجنبية، التي يتم الترويج لاستقطاب استثماراتها عبر المزيد من الدمار والتشرد والإفقار والعوز للمواطنين عموماً، وللعاملين بأجر خصوصاً، مع الممارسات السلبية تجاه شريحة الفلاحين والمزارعين، الذين فُرض عليهم هجرة زراعتهم وأرضهم، ناهيك عن استنزاف إمكانات قطاعات الصناعة الوطنية كلها، العامة والخاصة، بالإضافة للمنشآت الحرفية الصغيرة، بعيداً عن أي شعور بالمسؤولية تجاه البلد وأبنائه، وشعارات الوطنية الجوفاء التي تتغنى بها، وتطنب آذاننا بها، ليل نهار.
ولعل ما يمهد لهذه الطبقة هذه الأحلام بشكل أكبر، هو واقع الحرب الطاحنة التي تقف بعض أدواتها حجر عثرة أمام إيقافها، مؤقتاً، من أجل المزيد من الاستغلال، والاستنزاف، والسرقة، المباشرة وغير المباشرة، بالإضافة لاعتمادها على استمرار الحكومات بسياساتها الليبرالية المساعدة والمقوية لها ولنفوذها، إضافة لما صدر ويصدر من قرارات وقوانين محابية لمصالحها الآنية والمستقبلية، والحامية لها بآن معاً، من أجل المزيد من تراكم الثروة وتكديس الأرباح.