سكان حي الحيدرية في حلب.. زمن الخبز والشاي!

عندما لا يجد الإنسان في كامل مساحة وطنه بيتاً بمساحة عدة أمتار مربعة يأوي إليه، عندما يُطارد بلقمة عيشه وفرح أطفاله، عندما يستيقظ على إنذار بالطرد ويعيش بقية يومه ينتظر موكب الهدم المُعزز بالشرطة وأزلام المتعهدين، عندما ينام (إن كان يستطيع النوم) على كابوس التشرد في الصباح، عندما تنتهك أهم مواد الدستور السوري وهي المادة 12 التي تنص على أن: «الدولة في خدمة الشعب، وتعمل مؤسساتها على حماية الحقوق الأساسية للمواطنين وتطوير حياتهم».. (أليس حق السكن الآمن والصحي هو من الحقوق الأساسية لكل مواطن سوري).

عندما تحدث كل تلك الأشياء، كيف يمكن أن نتحدث عن كرامة ذلك المواطن الذي يصبح ويمسي على تصريحات المسؤولين ومستشاريهم الذين يدّعون وصل الليل بالنهار من أجل تحقيق سعادته وتخطيط مستقبله؟!!

عفواً يمكن أن نكون قد أخطأنا، في اعتبار جميع سكان البلد أن لهم صفة المواطنة نفسها، وأنهم متساوون أمام القانون، وأن أمهم الدولة تنظر إليهم النظرة نفسها وتحيطهم بالرعاية ذاتها والاهتمام ذاته، وإلا ماتفسير وجود أحياء فقيرة بائسة تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات العامة، يستقطع سكانها من أرزاقهم وتعبهم ليبنوا مجرور الصرف وليصلوا أنابيب مياه الشرب إلى بيوتهم؟

ذنب هؤلاء الوحيد أنهم فقراء فقط.. مهمشون في مجتمعهم، يعيشون كل يوم بيومه في زمن أصبح الخبز والشاي وجبة وحيدة لأغلبهم، وأصبحت بحيرات الصرف الطافحة تختم على أجسامهم ختم حبة حلب الشهيرة.. مساحة تلك الأحياء تتجاوز نصف مساحة مدينة حلب، تتشابه في المعاناة والإهمال، وتتميز بسكانها الريفيين البائسين.

قصص كثيرة تروى عن نضال أولئك الناس في بناء بيوتهم، وعن شقاء الرجال والنساء وحتى الأطفال، لإكمال تلك الجدران الأربعة مع سقفها، ولكن السعادة في الحصول على ذاك المسكن لا تكتمل أحياناً كثيرة، وخصوصاً في حي الحيدرية منطقة الإنذارات.

عندما سُئل أحد الحكماء كيف يؤكل الفيل، فقال: لقمة لقمة، ويبدو أن تاجر العقارات الشهير في حي الحيدرية يطبق الحكمة السابقة نفسها، فهو يقضم البيوت البائسة بيتاً بيتاً، يشتري صكوك ملكية من الناس المُعوض لهم في تلك المنطقة، ثم يرسل ذاك المتعهد المتنمر رسله للأهالي مخيراً إياهم خيارين لا ثالث لهما، إما بيع بيوتهم بالسعر الذي يحدده، وإما الهدم بجرافات البلدية، مسلسل من الذل والهوان يعيشه أهالي حي الحيدرية – منطقة الإنذارات لا يبدو أن فصوله ستنتهي طالما أن شهية تجار الأراضي مازالت مفتوحة لقضم تلك الأراضي المستملكة منذ سنوات للدولة، ومازالت جعبتهم تذخر بعشرات الإنذارات المشتراة من أناس آخرين عُوّض لهم في تلك المنطقة بعد استملاكها من قبل الدولة أيضاً.

قطاع البلدية جاهز دوماً لهدم تلك البيوت، وتنظيف المنطقة من تلك البيوت البائسة، كما حدث في رمضان الماضي، ولكن حكمة تجار البناء اهتدت إلى طريقة هادئة لإخلاء البيوت من أصحابها، عبر دفع مبلغ لا يتجاوز ربع ثمن البيت لتفادي المشاكل و(شوشرة) الصحافة، ويبقى الحل الأول جاهزاً في حال الممانعة.

منذ 1400 سنة مضت صرخ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صرخته المدوية في وجه الفقر قائلاً: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، حيث أن الفرق بين الغني والفقير كان عدداً من الإبل والماشية، وقتها كانت الأرض خلاءً، تنتظر من يبنيها، ولم تكن هناك بلدية ولا شيء يدعى: «مناطق مخالفات»، فما عسى أمير المؤمنين علي يقول في حالنا اليوم إن بُعث؟؟

■ مراسل حلب – سليم اليوسف

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.