أسرة من هذا الـ...وطن..
هذه ليست قصة فيلم هندي، ولا حدوتة مصرية، هذه عين الحقيقة.. وهي حقيقة ستُّ أسر مقعدة في بلدة واحدة، إنها بلدة شطحة الجميلة، التي رغم حريقها الهائل، ورغم مرور التوتر العالي فوق منازلها، إلا أنها وهي المتكئة على السفح الشرقي لجبال السلسلة الساحلية المطلة على سهل الغاب.. تبقى ساحرة.
فعندما تنظر إليها من أعلى هذه الجبال ترى السهل الممتد حقولاً خضراء, ماخلا الأراضي المتروكة لزراعة القطن التي لن تروى بقرار حكومي.. إنه منظر يسحرك عن بعد، غير أنك عندما تقترب أكثر فأكثر، سترى خمسة أشخاص مقعدين من أسرة واحدة يمثل وضعهم المأساوي، خرقا للدستور في المادة 46 منه..
هذه لقطات كاميرا العين وبعض الألم، قصة فيلم حقيقية بالاشتراك مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إنه سيناريو لم يكتمل، ولاندري كيف ستكون نهايته؟..
المشهد الأول : خارجي نهاري – لقطة عامة – لهول ما تراه العين تتوسع الحدقة لتلتقط الصورة.. قبل أن تغرق بالدموع.
بيت قديم آيل للانهيار.. شجرة توت كبيرة وبعض أشجار متناثرة، خمسة أشخاص يفترشون العشب كل منهم أدار ظهره للآخر، يبدون متخاصمين، ربما أن السنين التي مرت جعلتهم هكذا لا يتكلمون، فلا جديد لديهم يتحدثون به.. إنهم بحالة توحد، فجديد الأول هو جديد الأخير الذي ليس جديداً، ينظرون إلى الشارع، ينتظرون زائراً، أو تحية.... أو بعضاً من عطايا المتصدقين.
المشهد الثاني: خارجي نهاري-لقطة تفصيلية-سترة جلد متقشرة ممزقة تظهر القميص البالي يرتديها أحمد.. أحمد الذي خدم الوطن قبل أن يقعده المرض الوراثي اللعين (التصلب اللويحي)، وهذا المرض يصيب الشخص المبتلي به بعد تجاوزه سن العشرين. يبدأ بالارتعاش واختلال التوازن والنطق، وينتهي به مقعدا، فسطيحا!!
أحمد من أسرة تضم ثلاثة عشر شخصاً، الأب متوفى منذ ما يقارب العشرين عاما، والأم تعمل ليل نهار وتصلي... تعمل على خدمة أبنائها الخمسة: وهم بنتان وثلاثة شباب مصابون بهذا المرض، أما الشخصان الآخران، فينتظرهما المجهول، وما تبقى من الأسرة من ذكور وإناث ساقتهم سنة الكون في مجراها.
رحلة الشقاء
بعض ما قاله المصابون: «المرض الذي ابتلينا به وراثي لا شفاء منه، وعلاجه الوحيد الأدوية المساعدة على الحركة.. نحن لا نستطيع تأمين ثمن الأدوية، ومن أين لنا ذلك؟ فزيارة الطبيب كانت تكلف واحدنا من 2500-2700 ل.س.. الطعام لا نستطيع تأمينه، فكيف بالدواء؟ نتنقل زحفا أو بمساعدة الآخرين الذين ملوا منا وكرهونا وصاروا يتمنون لنا الخلاص، كما نتمناه لأنفسنا، وصادقاً أقول: أشكر كل من يتوجه بالدعاء لله أن يخلصنا من هذا القهر»!!
يذكر لي أحمد محاولة أحد رجال الخير وسعيه لاستقدام لجنة طبية مشتركة من دمشق وحماه في العام الفائت، حيث.. «قامت هذه اللجنة بتصوير الأسرة فوتوغرافيا، وتم الكشف الطبي السريري على أفرادها، إلا أنه وحتى الآن لم تصلنا مساعدات عينية ولا صحية، وبعد اللجنة الصحية بنحو أربعة أشهر، جاءت لجنة أخرى، وسجلت الأسماء لديها وعدد المصابين مع تفاصيل هوية كل مصاب.. حينها قلنا إن الدولة بدأت تلتفت إلينا، وستشرع برعايتنا، إلا أنه عند سؤالنا عن سبب مجيء هذه اللجنة، جاءت الإجابة إنه إجراء إحصائي للعاطلين عن العمل!! كيف ذلك لا أعلم؟
ومنذ نحو السنة ونصف السنة، وصلنا خبر قدوم السيدة الأولى بزيارة إلى ضريح الرئيس الراحل، وعلمنا أن الزيارة تستمر لأكثر من يوم، فاستأجرنا سرفيس، وذهبنا إلى هناك حيث أنها كانت توزع العطايا للمحتاجين، وكما قيل، وزعت أكثر من 50 مليون ل.س، لم ننل منها أجرة سرفيس!! لأننا لم نستطع الوصول إلى المسؤول عن الضريح، وها نحن على هذه الحال: نأكل يوماً ونجوع آخر، نعيش على الصدقة.. كرهنا عيشتنا.. أحياناً أقول: ربي خلصنا، وأحياناً نعود ونتمسك بالأمل.. نحن متعلمون، ونستطيع القيام بأية وظيفة مناسبة، لو توفرت» .
المشهد الثالث: تكتبه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل...
شكرا لكل من ساهم وسيساهم في إتمام هذا العمل .
■ يامن طوبر