كيف أصبحت شيوعياً

ضيفنا لهذا العدد هو الرفيق محمد بن قاسم الأحمد... الرفيق المحترم أبو عمار حدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟.

- قبل أن أتحدث عن ذلك اسمحوا لي أن أقول: إن قيمة الإنسان هي أن يعيش إنسانيته عملاً وسلوكاً وهذا ما تعلمناه في مدرسة الحزب، أنا من مواليد دمشق- صالحية عام 1942، أبي كان موظفا في وزارة المعارف. درست المرحلة الابتدائية بمدرسة الرشيد، ونلت السرتفيكا عام 1956، وتابعت الدراسة في الثانوية الصناعية، وحصلت على الاعدادية عام 1960 والثانوية عام 1963، ثم عملت مدرسا للرياضة التي كانت هوايتي الأولى، ثم عملت في المكتب الفني بمعمل برادات بردى لمدة سنتين تقريبا، ثم سافرت للدراسة في موسكو.

سمعت كما أذكر عن الشيوعية أول مرة من المعلم الرفيق محمد سعيد ميرخان، الذي كان صديقا مقربا جدا لأبي وأهلي، فقد كان يتحدث عنها خلال زياراته المعتادة لأهلي، وكنت أصغي إليه باهتمام كبير وهو يتكلم عن العدالة الإنسانية وضرورة إنهاء الشرور والحروب والمظالم، وشيئا فشيئا بدأت أفهم عن الصراع الطبقي. وفي المرحلة الإعدادية توطدت صداقتي مع الرفيق محمد علي القابوني، وكان في الصف الحادي عشر، وهو هتّاف المظاهرات الطلابية الوطنية، وله دوره في رفع مستوى وعيي السياسي والطبقي، ومن خلال المظاهرات وجدت نفسي في مكاني النضالي الطبيعي، ثم انضممت إلى صفوف الحزب عام 1957 في فرقة تضم الرفاق: حنين نصر الله ومحمد حنانا وآخرين، وقد كرست وقتاً كبيراً للعمل بين الشباب بفرق كشفية ورياضية وفنية (موسيقا ومسرح)، بالإضافة إلى المهمات والنشاطات والحزبية: (توزيع منشورات وكتابة على الجدران، ومشاركة في الاحتفالات الوطنية والطبقية التي يقيمها الحزب)، وكنت أداوم خلال جلسات البرلمان أمام مدخله مع الكثير من الشباب بانتظار دخول وخروج الرفيق خالد بكداش وسماع بعض خطبه من داخل قاعة البرلمان بصوته القوي ولغته المعبرة، وفي بداية عهد الوحدة شاركت مع الرفاق بتوزيع بيان الحزب الذي يحتوي البنود الثلاثة عشر بخصوص الوحدة، وذلك في أحياء دمشق كالميدان والشاغور، وقد تواريت عن الأنظار خلال فترة الاعتقالات التي استهدفت جميع الشيوعيين وأصدقائهم، وفي عهد الانفصال شاركت في المظاهرة التي عبرت الشوارع الرئيسية بدمشق منددة بالاضطهاد والتسلط، كما شاركت في الحشد الكبير الذي انتظم في مطار المزة لاستقبال الرفيق خالد بكداش العائد إلى الوطن، وقد منعته سلطات الانفصال من دخول البلاد منتهكة حق المواطن في أن يعود إلى وطنه، وفي نهاية الستينات من القرن الماضي، قمنا بتنشيط عمل اتحاد الشباب الديمقراطي في سورية، وإحياء هذا التنظيم الذي أعطيته جل وقتي واهتمامي، فأشرفت مع غيري من الرفاق على العديد العديد من نشاطاته المتنوعة (مخيمات، رحلات، مباريات رياضية، وحفلات فنية بالمناسبات الوطنية والأممية)، ومن الرفاق الذين عملت معهم، يعقوب كرو، نذير يزبك، يونس صالح، أكرم أنطاكي، والفنان محمد الرومي وغيرهم.

واليوم، وبقناعتي الكاملة، أرى أن من أهم أسباب ما طرأ على التنظيم الحزبي من تراجع وضعف وانقسامات، هو تفشي روح الاستئثار لدى بعض القياديين والتصاقهم بالمراكز، وكأنها ملك خاص لهم، وكذلك تضخم ذواتهم، وشخصنتهم للعمل السياسي والحزبي وربطه بأفراد، وعدم الاعتراف بالآراء الأخرى التي تبرز بشكل طبيعي خلال مراحل النضال، والحياة هي التي تحسمها وتؤكد الصحيح منها، وبالتالي يندثر ما هو غير طبيعي وملائم. ومن الآفات التي عانينا منها التسرع في إطلاق الاتهامات المسبقة الصنع بحق كل من لا يستزلم أو ينتقد أخطاء المسؤولين.

يسعدني قي هذه المناسبة أن أعبر عن احترامي وتقديري الكبير لكل من ساهم في بناء لبنة بصرح هذا الحزب المجيد، وفي مقدمتهم أولئك الشهداء الأبرار أمثال طيب شربك وحسين عاقو وفرج الله الحلو والعشرات من البواسل الذي ضحوا في سبيل الوطن والشعب، وأتوجه إلى جميع الشيوعيين أن نؤنسن صراعنا الطبقي، ونجعل من نضالنا السبيل الصحيح لحرية وعزة وكرامة الإنسان وحقه بالتمتع بالديمقراطية باعتبارها الطريق الحقيقي لإنهاء كل صور القهر والتمييز، ومحاربة الفساد والفاسدين، وبهذا النضال نستطيع التصدي للمخطط الإمبريالي الأمريكي الصهيوني الساعي لاحتلال المنطقة وتفتيتها اثنياً مذهبياً وطائفياً لنهب خيراتها واستعباد شعوبها، وأدعو الرفاق جميعاً إلى توحيد الصف الشيوعي واليساري بالعمل المشترك على أرض الواقع وحشد كل القوى الوطنية في معركتها الحقيقية دفاعاً عن الوطن ولقمة العيش الحر الكريم.