شوارع مستوردة، ونقص في السيّارات!
لم نعد نملك حجّةً تحمينا من ضيق سؤال أصدقائنا أو مدراء أعمالنا: «ما الذي أخرك»؟!، فبعد أن تمّ كسر احتكار الدولة لاستيراد الشوارع الحديثة والطرق المعبّدة، ما عدنا نضيع في زحمة المكان، ولا في انحسار الزمان، إذ يكفي أن نخرج من بيوتنا، وما هي إلا لحظات قليلة، حتى نصل وجهتنا، وطبعاً، وسيلتنا هي الشارع أولاً، ومن ثم السرفيس أو السيّارة!.
نلنا كفايتنا من تذمّر سائقي الحافلات على مرّ السنين، أما الآن فليس هناك من معاناة، فبعد انتشار (الشوارع) في شوارعنا، لم يعد ثمة سببٌ يدعو السائق للتذمّر أو الغضب، بل بات يلوح لنا بيده مبتسماً، غير عابئ أو عابس، وصار غالباً ما ينسى حتى أخذ التعرفة!.
أما الذين يملكون سيّاراتهم الخاصّة منّا، فقد زالت كلّ كوابيسهم، وصار بإمكانهم ركن سياراتهم بلمح البصر أينما، ومتى كانوا مضطرين لذلك..
استيراد الشوارع له ملحقاته، فإلى جانب الهدايا التي أتتنا على شكل كراجات عمومية، والتي تمّ توزيعها على كلِّ السكان تقريباً، أصبح هناك الآلاف من عمال الصيانة الدائمة، الذين يتناوبون لحماية هذه الشوارع من العطب، وهناك رجال المرور المدرّبون على حلّ أكبر الأزمات المرورية بأسرع من سرعة تشكل الأزمة نفسها (أي أسرع من الزمور)، ناهيك عن قوانين منع حوادث السير التي تمّ سنّها، حرصاً على أرواح المواطنين، وأموال شركات التأمين!!..
والمشاة منّا باتوا في نعيم، إذ أصبحت الأرصفة متنزهاً لهم، وذلك طبعاً بعد إجلاء جميع المحتلّين عن هذه الأرصفة، من سيّارات ولوحات إعلانات وخوازيق ناتئة، وحاويات قمامة جبّارة الحجم، وبعد أن تمّ إصلاحها من كلّ سوء طرأ عليها (على مرّ السنين والمحافظين)، فتشكّلت غابات من الأشجار الموسمية على أطرافها، لتحمي أطفالهم من وهج الشمس، أثناء لعبهم مع ذويهم في مساحاتها الآمنة العريضة!.
لكن السؤال؛ كيف سنملأ هذه الشوارع ونحن لا نملك من السيّارات سوى القليل؟!، أين خطط الدولة لمعالجة هذا النقص الحاد في السيّارات، ألم يئن الأوان؟!.
يبقى أن نذكّر بأن شوارع دمشق تحتضن فيما تحتضنه، مالا يقلّ عن مليون سيّارة، منها الخاص ومنها العام، ومنها من لا مالك له!، وطبعاً يمكن لهذه الشوارع (الواسعة) بالفطرة، والتي استوردت خصيصاً لأنها واسعة، أن تستوعب المزيد، لأننا نحن من يريد المزيد، وما من أحد قادر على كبح جماح رغباتنا، فنحن شعبٌ متطلّب جداً!!..