بعدك ع «البالة»
مع اقتراب مواسم المدرسة والأعياد تدب الحياة في الأسواق السورية، وتتنافس المحال والبسطات على اجتذاب المتسوقين.
ورغم أن هذه الأسواق لا تعوزها البضائع التي يفترض أنها تلبي مختلف الاحتياجات والأذواق، إلا أنها تواجه صعوبات جمة في إقناع المستهلكين بأسعارها التي تتزايد يوما إثر يوم، مقارنة بمتوسط الدخل الآخذ في الانحدار منذ سنوات خلت ودون توقف.
البحث عن التكلفة الأقل
حين يتعلق الأمر بثياب العيد، والألبسة بشكل عام، تسود بسطات ومحال البالة دون منازع، إذ تغدو الحل الأمثل والأقل تكلفة بالنسبة لآلاف الأسر السورية التي عانت ومازالت تعاني ويلات الحرب وما يصاحبها من ظروف اقتصادية في غاية الصعوبة.
فمحال وبسطات البالة تجتذب كثيرين، جلهم من ذوي الدخل المحدود الذين يرون فيها حلاً معقولاً لمواجهة جنون الأسعار، وإطالة عمر الراتب ولو بضعة أيامٍ أخرى.
أسواق البالة
ونظراً للإقبال المتزايد عليها فإن محال البالة اليوم آخذة في الانتشار، حتى باتت لها أسواق خاصة في معظم المدن السورية، ومنها على سبيل المثال الإطفائية في دمشق، وشارع أدونيس في حلب وغيرها الكثير، إلى جانب ذلك فإن الإقبال عليها قاد إلى مزيد من التخصص بما يلبي حاجات المشترين المختلفة، فمنها ما اقتصر على ثياب الأطفال، ومنها ما يبيع الأحذية أو الحقائب والقبعات، حتى أن ثمة بسطات ظهرت في مواسم الأعياد مخصصة لبيع الألعاب المستعملة بأسعار ترضي الكبار وتسعد الصغار.
فلتان!
في ظل الغياب المستمر للجهات المعنية بضبط الأسعار، وما رافقه من حالة الفلتان التي تشهدها الأسواق، أصبحت أسواق البالة تتمتع بقدرة تنافسية عالية، إذ توفر للمواطن هامشاً واسعاً لاختيار ما يتناسب مع إمكانياته ودخله، بدءاً من سعر لا يتجاوز 200 ليرة، وصولاً إلى ما يزيد عن 5000 ليرة.
انعدام البدائل
ما يزال استيراد «البالة» محظوراً من جانب الحكومة السوريّة، بداعي حماية الصناعة الوطنية أو لأسباب صحية كما يضيف البعض، لكن غياب أية بدائل حكومية لضبط الأسعار أو دعم الأجور، واكتفاء الحكومة -كعادتها- بدفن المشكلات دون حلها، قاد إلى المزيد من الإقبال على البالة، وتحولها إلى سوق تزدهر عن طريق التهريب، حيث يعد لبنان اليوم المصدر الوحيد للبالة المهربة، بعد تردي الأوضاع الأمنية في المحافظات الشمالية.
توزع «البالة» على المحال والبسطات بالكيلو، حيث يتولى الباعة فرزها وتنظيفها وكيها، وتباع القطع الأفضل في المحال غالباً وبأسعار مرتفعة، في حين تباع الأقل جودة على البسطات وبأسعار زهيدة.
وتلبي البالة، بتنوع أسعارها وأشكالها، احتياجات كثير من الأسر السورية.
بحثاً عن «لقطة»
كان شراء البالة سابقاً يتم بنوع من السرية والكتمان، وينظر إليه على أنه مدعاة للخجل، أما اليوم فقد بات أمراً علنياً بالنسبة لكثير من الفقراء وميسوري الحال على حد سواء، بل أنه غدا فناً وشطارة حين يتعلق الأمر بالعثور على قطع شبه جديدة ورخيصة السعر، وهي ما يسميها السوريون عادة «لقطة»، وهو ما تحدث عنه الماغوط في كتابه «سأخون وطني» بسخريته السوداء التي عرفت عنه حين دعا إلى:
«النظر بعين التقدير والاحترام لباعة البالة وعدم ملاحقتهم من شارع الى شارع ومن زقاق الى زقاق... إذ لولاهم لذهب غالبية الموظفين الى أعمالهم بثيابهم الداخلية, لقد كان المواطن يخجل ويرتبك من الاقتراب من عربات البالة, أما الآن فقد أصبح ينكشها ويقلبها رأساً على عقب بحثاً عما يناسبه ويناسب عائلته وأطفاله دون أن يشعر بأي خجل إلا من شيء واحد: هو أن يجد نفسه بعد ربع قرن من الأمل بالاشتراكية يلبس من عتايق الرأسمالية».