شركة أسمنت طرطوس .. حلقة في مسلسل الخصخصة
إنهم دائماً يحاولون وضع غشاوة ملونة على عيوننا لتزيين تصرفاتهم ومشاريعهم الليبرالية، فبعد إطلاق شعاراتهم البراقة ومنطلقاتهم النظرية، يعملون في الخفاء، للمتاجرة بقوت العباد وخيرات البلاد، والمكاسب التي حققها هذا الشعب، خلال عقود من النضال والصبر والمعاناة، فقد أوهمنا هذا الفريق الاقتصادي وفي أكثر من مناسبة على لسان النائب الاقتصادي عبد الله الدردري.
أن «لا خصخصة للقطاع العام ولا تسريح تعسفي للعمال، ونعم للاستثمار وتطوير أداء هذا القطاع الهام، وجذب استثمارات القطاع الخاص والتشاركية مع أبناء المجتمع كافة». وكان قد أكد قبلاً أن «مؤشرات تنفيذ مضامين الخطة الخمسية التاسعة، تؤكد قدرة الحكومة السورية على تنفيذ برامج وخطط الخطة الخمسية العاشرة بنجاح، شريطة تعاون جميع شرائح المجتمع، لأن الخطة خطة مجتمع، وليست خطة حكومة».
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يسعون بخطى حثيثة للقضاء على القطاع العام وقتله، بطرح شركاته الرابحة تحديداً، للخصخصة والاستثمار الأجنبي، فمن المتاجرة ببوابات الوطن، المطلة على البحر المتوسط، والتي هي المنفذ الأساسي لسورية، لعبور بضائع الترانزيت الواردة من أوربا إلى الشرق الأوسط ودول الخليج، إلى المنشآت الإستراتيجية الصناعية كشركات الأسمنت العامة التي تم وضع آخرها، وهي شركة أسمنت طرطوس، على طاولة الخصخصة والاستثمار، هذه الشركات التي تبلغ أرباحها السنوية ملياراً ونصف المليار ليرة سورية، بدعوى تأهيلها وزيادة إنتاجيتها، كي تتمكن من سد حاجة السوق من مادة الأسمنت التي تقدر بـ 7 مليون طن سنوياً، في حين أن الإنتاج الحالي هو بحدود /5/ مليون طن.
ـ الفائدة فقط للمستثمر:
وقد تم إعداد دفتر الشروط الخاصة والفنية لإعادة تأهيل استثمار شركات الإسمنت بحيث يكون مقبولاً للمستثمرين الأجانب، حتى لو كان متناقضاً مع الغاية الأساسية، التي تهدف إلى التطوير والتأهيل وزيادة الإنتاج، مع مراعاة مصالحهم الخاصة بممارسة أساليب الفساد والاستغلال، وسرقة القطاع العام، فكان من بين الشروط أن مدة العقد هي 15 سنة، وبالتأكيد هذه فترة طويلة سيحقق المستثمر خلالها أرباحاً طائلة، وفي نهايتها سيسلم المعمل مستَهلَكاً، غير ذي كفاءة إنتاجية عالية، لأن نسبة الاهتلاك السنوي للآلات تقدر بـ 10 %، أي خلال 15 سنة ستكون بمعدل 150 %، وكانت الحكومة سابقاً قد رفضت عرضاً تركياً لتطوير شركة أسمنت عدرا، بكلفة أقل على الدولة من العرض الأخير، فقد كانت مدة العقد 10 سنوات، وتتعهد الشركة التركية بزيادة الإنتاجية من 800 طن، إلى 2000 طن يومياً، أي بمعدل زيادة قدره 150 %، مع احتفاظ الدولة بحصتها السابقة 800 طن، مضافاً إليها نسبة 40 % من الزيادة، دون أن تترتب عليها أية تكاليف.
كما يحاول دفتر الشروط إيهامنا بضمان مصير العمال الموجودين في شركات الأسمنت حيث ينص على «حفظ الشركة المستثمرة لحقوق ومزايا العمال المحليين بالكامل وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها». وهذا ليس أكثر من حيلة للتغرير بالعمال وجعلهم يقبلون بالأمر الواقع لطرح الشركة للاستثمار الخارجي، علماً أن إحدى مواد العقد تنص بشكل صريح، على تشميل الاستثمار بأحكام قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، وبموجب هذه المادة يكون المستثمر الأجنبي غير مُلزَم بقانون العمل 49 لعام 1962 الذي يحمي العامل من التسريح، وغير ملزَم بل ومعفياً من تسجيل العمال لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
ـ مزايا إضافيّة وخدمات مجانيّة:
إضافة إلى ذلك فقد قامت لجنة دعم مشاريع الأسمنت الخاصة بتقديم مزايا إضافية للمستثمرين، كتخفيض إيجار الأراضي من 2000 ل.س. إلى 100 ل.س للدونم الواحد، وقابلية تمديد فترة العقد بما يتناسب مع مصلحة المستثمر، وقيام الدولة بتأمين البنى التحتية لأماكن تجمع المعامل، وإمكانية تقديم قروض للمستثمرين، أي أنهم سيستثمرون بالمال العام، فلو قدمت هذه المزايا للقطاع العام، لكنا وفرنا على أنفسنا إتباع أساليب ملتوية بإيجاد الحلول الوقتية والقسرية، ولكنا امتلكنا إستراتيجية صناعية هامة، كانت سترفد خزينة الدولة بمليارات إضافية من الليرات السورية، والجدير بالذكر هنا، أن الدراسات العلمية، أشارت إلى وجود احتياطي كبير من المواد الأولية، يكفي لإنتاج 20 مليون طن سنوياً، لمدة لا تقل عن 200 سنة.
فإلى أين يسير بنا هذا الفريق الاقتصادي الليبرالي؟! الساعي إلى تدمير الاقتصاد الوطني وتسليمه إلى غرباء يتحكمون بمصيرنا، بما يلائم مصالحهم الشخصية، ويحقق لهم أرباحاً فاحشة، على حساب قوتنا ولقمة عيشنا ودخلنا الوطني، وكان النائب الاقتصادي قد صرح عن نية الحكومة بتحرير سعر مادة الأسمنت، مع نية التدخل الإيجابي في ضبط سعرها بالسوق، وترك الحرية للمؤسسة العامة للأسمنت في تحديد الأسعار وفق آليات السوق.
من هنا نتأكد أنه في حال الإقدام على هذه الخطوة، فإن أسعار الإسمنت ستتضاعف، ولن يستفيد من هذا إلا المستثمر الأجنبي، الذي كسب في المحصلة، سوقاً محلية وإقليمية واسعة، بأسعار سيحددها هو بنفسه، وسيكون معفياً من جميع الضرائب والرسوم والالتزامات تجاه العمال، أو الاقتصاد الوطني.
إن من واجب الشرفاء، أن يأخذوا على عاتقهم، صدَّ الهجمة الليبرالية، ورفعَ الصوت عالياً، لرفض كل ممارسات هذا الفريق بالخصخصة وطرح الشركات الرابحة للاستثمار، والتركيز بدلاً من ذلك على إصلاح القطاع العام وتطهيره من الفاسدين، وجعله يعمل وفق أسس اقتصادية قويمة، وهذا ما نصت عليه المادة 14 من الدستور، التي تشدد على «ملكية الشعب للثروات الباطنية والمرافق والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة، وتقوم الدولة بموجب هذه المادة باستثمار هذه الشركات بنفسها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب».
وقد أكد عمال شركة أسمنت طرطوس على حسهم الوطني وانتمائهم الطبقي بالوقوف ورصِّ الصفوف مع تنظيمهم النقابي، واتحاد عمال طرطوس، والاتحاد العام للعمال، الذي أعلن موقفه الواضح والصريح في كتاب موقع من أمين الشؤون الاقتصادية ورئيس الاتحاد العام للعمال للاعتراض على طرح شركة إسمنت طرطوس للخصخصة والاستثمار، والذي يعتبر غارة من الغارات المتلاحقة من الفريق الاقتصادي على منشآتهم ومكتسباتهم.
نعم، لا يجوز للحكومة الإقدام على هكذا ممارسات لأنها خارج إطار صلاحياتها، فهي مؤتمنة فقط على أموال الشعب، وقد أقسمت على ذلك، وعليها احترام الدستور، ولكنها بممارساتها هذه خانت الأمانة، وحنثت بقسمها، وخرقت الدستور، فماذا بعد؟!!
ليس هنالك بعد، على هذا الفريق أن يرفع يده عما بقي من فتات القطاع العام، ويرحل بلا رجعة، واستبداله بسياسات، هدفها الأول والأخير، الدفاع عن مصلحة الوطن، وكرامة المواطن.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.