أسطوانات الغاز الفاسدة.. فساد برائحة الدّم!
لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع قصصاً مؤلمة من شتى أنحاء البلاد عن حرائق أو انفجارات تسببت بها أسطوانات الغاز المنزلية، مؤدية في الحدود الدنيا إلى حروق خطرة وحالات اختناق حادة وإصابات متنوعة، وقد تتعدى ذلك في معظم الأحيان لتكون النتيجة أقسى وأكثر مأساوية..
ومما لا شك فيه أن الكثير من هذه الحوادث يقع بسبب الإهمال أو سوء الاستخدام أو قلة الانتباه والحذر، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، ففي كثير من الحالات المثبتة، كان السبب الأساسي في وقوع الكارثة هو سوء أسطوانة الغاز نفسها، أو عدم صلاحية الصمام المركّب عليها، وهذا يعيدنا إلى قصة فساد قديم ذات شقين، لم يجرِ تسليط الضوء عليها بالقدر الكافي، يرتبط شقها الأول بأسطوانات الغاز من نوع (ليكوي) السيئة الصيت التي ظلت (وربما ماتزال) تغزو البلاد بصورة غير شرعية لفترة طويلة عن طريق المهربين البريين والبحريين، وهذا الموضوع طالما أحدث بلبلة في شركة محروقات وأظهر جانباً واسعاً من الفساد المستشري فيها، أما الشق الثاني فيرتبط بموضوع صفقة الصمامات الفاسدة، الذي مازال بنتائجه الكارثية التي وقعت فعلاً، والتي قد تقع، يفرض نفسه كواحد من أهم الأمثلة على استخفاف بعض المسؤولين بحياة المواطنين وسلامتهم..
فساد مع سبق الإصرار في إدارة «محروقات»
من المعروف أن السوق السورية راحت تعاني من نقص حاد في أعداد أسطوانات الغاز المنزلية مع مطلع الألفية الثالثة، وذلك مع تنامي الطلب عليها بسبب التزايد الطبيعي للسكان، وهو ما لم يكن بإمكان «شركة محروقات» ومن خلفها وزارة النفط استشرافه أو إيجاد حلول له!!، الأمر الذي أدى إلى تصدي المهربين الكبار لهذه المهمة، فقاموا بإدخال هذه السلعة المربحة عبر الحدود بطرق غير نظامية وبأعداد تتناسب مع حجم الطلب، غير مبالين بكون الأسطوانات المهرَّبة (ليكوي)، لا تتناسب مع المواصفات القياسية السورية، وبالتالي نتج عن كل هذه الفوضى انتشار كبير لأسطوانات غاز فاسدة في المحافظات السورية كافة، وسرعان ما راحت تتسبب بحوادث دموية مؤسفة تضررت منها أسر بكاملها، وهنا تفتقت بذهن مدير عام محروقات عبد الله الخطاب فكرة عبقرية يستحق عليها جائزة نوبل!!
فقد قام المدير المذكور مشكوراً بسحب الأسطوانات الفاسدة من الأسواق من أجل صهرها في معمل حديد حماه، وأصدر قراراً بمنع تداولها محلياً، لكنه، وهنا المفاجأة، ما لبث أن عاد وقرر عرضها للبيع بشرط ألا يقوم المشتري بطرحها مجدداً في الأسواق السورية، وبعد أن اشترى أحد المتعهدين كمية كبيرة من هذه الأسطوانات حدث خلاف بينه وبين بعض المدراء في الشركة، فقام المدير العام بتشكيل لجنة جديدة لبيع الأسطوانات الباقية عن طريق مزايدة ثانية، وذلك بموجب قرار رقم /1589/ تاريخ 25/4/2004، أما الكمية التي بيعت فلا أحد يعرف مصيرها.. أو كيف تصرف بها من اشتراها..
في المزايدة الثانية انتبه بعض الموظفين الشرفاء في لجنة دراسة العروض لخلل صارخ، فعرقلوا إتمام هذه المزايدة انطلاقاً من أسباب قانونية، إذ توقفوا عند نقطة هامة وهي عدم وجود شهادة منشأ لهذه الأسطوانات، فهي مهربة أصلاً، وبالتالي لا يمكن للمشتري تصديرها، وخمنوا أن من سيشتريها، لن يكون أمامه من سبيل سوى بيعها في السوق المحلية خصوصاً أنها رخيصة جداً، وهكذا أفسدوا (الطبخة) على المدير، (الذي أخذ لاحقاً ينظر إليهم ويعاملهم كأعداء وأصبحوا عرضة دائمة لتعسفه)، لكنه وأمام حججهم القوية، اضطر أن يصدر قراره رقم /122/ بصفته رئيساً للجنة الإدارية، بتبرير إفشال المزايدة، ولكنه ادعى أن سبب الفشل هو (ورود عرض وحيد مقبول)، بينما الحقيقة هي ورود ثلاثة عروض وفق محضر اللجنة، وهذا التبرير يشكل جريمة تزوير واضحة في أوراق رسمية، ولعل سبب لجوئه لهذا الادعاء هو التغطية على الأموال العامة التي أهدرت على هذه المزايدة من إعلانات ومكافآت لأعضاء اللجان وغيرها... والتي يشكل صرفها جنحة وفق قانون العقوبات الاقتصادية..
صمامات فاسدة
في قضية ثانية، قام مدير عام محروقات باستيراد صمامات غاز صينية فاسدة وذلك قبل فصل شركة الغاز عن محروقات، وأوعز بتركيبها على الأسطوانات رغم أنها تشكل خطورة كبيرة على حياة المواطنين، وللأسف فإن هذه الصمامات موجودة قيد الخدمة حتى الآن، ومازالت تُركّب على الأسطوانات الحديثة التي يتداولها الناس، وجميع موزعي الغاز في سورية يعرفونها جيداً.. ويحذرونها!
ولمن يهمه الأمر نقول: إن الثبوتيات المتعلقة بهذا الموضوع موجودة في شركة توزيع الغاز بعدرا إضافة لشركة «محروقات»، وإذا كان هناك من يريد متابعة الموضوع في الجهات المعنية ومحاسبة المسؤولين عن هذا الاستخفاف بحياة المواطنين.. فليشمّر عن ساعديه..
...وليس آخراً
بالرغم من أن سحبها من الأسواق ليس أمراً صعباً.. وبالرغم من كل أخطارها المحتملة على الناس أولاً، وعلى الاقتصاد الوطني ثانياً، ماتزال الأسواق المحلية تعج بأعداد كبيرة من الأسطوانات الرديئة، التي يبدو أنها عادت مرة أخرى لتغزو سورية من بعض دول الجوار (تركيا ولبنان تحديداً)، خصوصاً مع عودة أزمة الطلب للتنامي مجدداً، وارتفاع أسعار الأسطوانات النظامية وندرتها، فهل يبقى مصير الناس بأيدي الفاسدين، وتبقى سلامتهم وطمأنينتهم تحت رحمة قنبلة موقوتة تشاركهم منازلهم.. لا أحد يعلم متى تنفجر؟؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.