احذروا ادعاء المعرفة
يرى البعض، وعلى حد قول أحدهم أن «الماركسية حين اعتبرت نظرية كفت عن التطور، وهو يرى أنها منهج معرفي، على غرار المناهج الأخرى، ولكنه أكثر صحة لأنه منهج مادي ديالكتيكي».
ويضيف إلى ذلك أن الماركسية تنفي ذاتها «على أساس قانون النفي».
ونلاحظ في هذه الكلمات مسائل عديدة تأتي في أولها أن النظرية تكف عن التطور، ثم يقصر الأمر على المنهج ويفصله عن النظرية ويعتبره كغيره من المناهج ثم نجد أمامنا أن قانون النفي يؤدي إلى نفي الماركسية.
من المعروف أن النظريات الفلسفية لم تكف عن التطور، وقد وجدت كل نظرية أتباعا لها حاولوا تطويرها، والنظرية تكف عن التطور وتتوقف عند حالة محددة، إذا كشف زيفها وخطلها، وقد كان الكثير من النظريات تتطور، ولكن على أسسها نفسها.
إن الماركسية تستند في تطورها إلى مسائل أساسية ومنها لا بدائية المادة ولانهائيتها، ثم إن الجوهري هو التغير وهو التطور وهو الحركة وليس الثبات.
إن إدعاء أن اعتبار الماركسية نظرية جعلها تكف عن التطور هو رأي ينتهي إلى نفي كل نظرية في كل ميدان وفي كل مجال وهو رأي لا علمي وغير واقعي، وهو يخلط بين مسألة حقيقية وهي أن النظرية تكف عن التطور بسبب اكتشاف خطلها ولا موضوعيتها وابتعادها عن العلم عند تطور مختلف فروع المعرفة العلمية.
أما القول إن المنهج المادي الديالكتيكي هو منهج معرفي، على غرار المناهج الأخرى. فهو قول لا يعرف ألف باء الفكر الفلسفي، ولا يستطيع تلمس الفرق النوعي والجوهري بين المنهج المادي الديالكتيكي والمنهج المثالي بكل اتجاهاته.
إن تلك العبارات في أسوأ تأويلاتها تمنح قدراً من الصحة للمناهج المثالية بما فيها الديالكتيكية واللاهوتية ولم يكن ذلك وليد الصدفة بل هو ناجم عن عدم فهم التمايز الجذري بين المثالية والمادية. ناهيك عن أن المرء لا يلمس أي تمييز بين المنهج من جهة وطرائق البحث من جهة أخرى.
أما أن الماركسية تنفي ذاتها بفعل قانون النفي فهو يدخل في عجائب الفكر وغرائبه، وقبل كل شيء فإن الماركسية ليست شكلاً من أشكال المادة كي تنفي ذاتها، إنها نظرية تتطور لأن المادة لا بدائية ولا نهائية، وقد تضمن ذلك الرأي الخلط بين النظرية وأشكال المادة وعمم قانونيات واحدة على تطورها، وسقطت تلك الآراء في نهاية دهليز يقر بأن المادة تؤول في تحولها وتطورها إلى العدم، ولأن بُعد تلك الآراء هو كذلك، فإن صاحبنا انتهى إلى أن الماركسية تنفي ذاتها، إن الماركسية تنتفي في عوالم لا مادية أو لا علاقة لها بالمادة، وإذا انتفت مادية العالم وأولوية المادة فلا يبقى سوى المثالية واللاهوت.
إذا كان تجديد الماركسية هو نفيها، فقد حان الوقت بعد ذلك التكرار أن يطرحوا ما يؤكد صحة آرائهم ويخرجوا عن تكرار العبارات التي جعلوها خاوية، إن المشكلة في فهم سطحي للنظريات الأساسية في الماركسية، وخلطها بالنظرات التي أدت إليها الدراسات في مرحلة تاريخية معينة. وبعبارة أخرى لا يميزون بين النظريات الفلسفية الأساسية والنظريات المستخلصة من واقع تاريخي محددة في ضوء دراسته بالاستناد إلى النظريات الأساسية.
إن عالم المعرفة عالم ديالكتيكي لكن هذه الخاصية لا ينبغي أن تؤدي إلى لخبطة في المصطلحات، فإغناء نظرية وتطويرها يجري على أسسها أما نفيها فلا معنى له سوى أنها أصبحت نظرية مكشوفة من حيث عدم صحتها، وعندها تصبح مسائلها مؤدية إلى وعي زائف وغير حقيقي وعلى «المفكرين» أن يقدموا النظريات «الصحيحة». وأن يكفوا عن ادعاء «تجديد» الماركسية «وإعادة» قراءتها. وإذا كان هذا أو ذاك قد توصل إلى أن الماركسية تنتفي فما عليه إلا أن ينسجم سياسياً واجتماعياً مع مفاهيم يروج لها، وعندها يكف عن الإدعاء أنه ماركسي وشيوعي.