بعد سنتين من اجتماعات المحافظين (وكأنك يا أبو زيد ما غزيت )
منذ أكثر من سنتين قررت وزارة الإدارة المحلية والبيئة التخفيف من الروتين في دوائر الدولة واختصار الورقيات في معاملات المواطنين وذلك تماشياً مع موضة الشعارات الرنانة التي درجت في السنوات الأخيرة.
فمنذ أكثر من سنتين عقد أول اجتماع قمة بين وزير الإدارة المحلية ومحافظي المحافظات الأربع عشرة وقد قرروا خلال هذا الاجتماع أنهم سيقضون على الروتين قضاءً مبرماً وسيختصرون الورقيات التي تتعلق بمعاملات اخوتهم المواطنين إلى الحد الأدنى وطرحوا حينها أفكاراً وآليات عمل مثالية كتطبيق نظام النافذة الواحدة ، وتحديد زمن كل معاملة في دوائر الدولة (( طبعاً بعد اختصار هذا الزمن )) إضافة إلى القضاء على ظاهرة الرشوة التي تنتشر بين الموظفين ، وإقصاء السماسرة ومعقبي المعاملات من أمام مديريات ومؤسسات الدولة ، وقد رافق هذا الاجتماع حملة إعلامية طبلت وزمرت له على أنه إنجاز تاريخي غير مسبوق كعادتهم استبشر المواطنون خيراً بهذا الاجتماع الذي تم خلاله الاتفاق على أن تعقد اجتماعات أخرى لاحقة لمتابعة وتقييم ما تم إنجازه في الفترة السابقة ووضع الخطط للمرحلة اللاحقة وكانت بنتيجته أن طلب كل محافظ من الجهات الرسمية في محافظته أن توافيه باقتراحات لتخفيف الروتين واختصار الورقيات ومن تم صدرت قرارات عن المحافظين إلى تلك الجهات تتضمن تخفيفاً الروتين واختصاراً للورقيات فمحافظ ريف دمشق أصدر قرارات إلى كل من الجهات التالية ( الشؤون المدنية ، الصحة ، الخدمات ، الزراعة ، السجل العقاري ، التموين ، الوحدات الإدارية والبلديات ، الاقتصاد ، الصناعة ، دائرة المقالع ( الجيولوجيا ) ، الاتصالات ، المياه ، الكهرباء ) وكلها تتضمن تخفيفاً للإجراءات واختصاراً للورقيات ( بحسب أمين سر المحافظة ) .
وتوالت الاجتماعات :
بعد هذا الاجتماع توالت الاجتماعات بين الوزير ومحافظيه وكانوا في كل اجتماع يبررون عجزهم عن تحقيق أي شيء يذكر في مجال تخفيف الروتين ويعطون الناس جرعة جديدة من الأمل بالمرحلة المقبلة وكانوا في كل مرحلة يطرحون شعاراً جديداً ، يلامس مشاكل المواطنين الذين لم يعودوا يثقون بتلك الشعارات ولا بجدوى تلك الاجتماعات فقد جربوهم على مدار سنتين سارت خلالهم الأمور من سيئ إلى أسوأ فمعقبي المعاملات مازالوا هم صلة الوصل بين المواطن ومعظم جهات الدولة ، ومازالت معظم المعاملات لا تسير دون دفع المعلوم مع تغير بسيط هو أن الدفع أصبح علنياً ، بينما كان في السابق بطرق سرية .
ونظام النافذة الواحدة لم يتعدى وضع لوحة على باب الدائرة أو المديرية مكتوب عليها عبارة (( نظام النافذة الواحدة )).
الواقع عكس الشعارات :
قمنا بجولة على بعض الجهات الرسمية التي شملتها قرارات السادة المحافظين فوجدنا واقع تلك الجهات هو أسوأ منه قبل سنتين ( أي قبل اجتماعات المحافظين ) ففي السجل العقاري بدمشق كان الازدحام شديداً ، رغم وجود لوحة كبيرة على الباب الخارجي مكتوب عليها نظام النافذة الواحدة إضافة إلى لوحة أخرى هي عبارة عن جدول يوضح المدة الزمنية القصوى لإنجاز كل معاملة أو خدمة تقدم للمواطنين .
فالمواطن ( عبد الرزاق –ع ) أكد أن المعاملات في السجل العقاري لا تسير دون دفع المعلوم فموظفو السجل يستطيعون أن يعرقلوا أية معاملة لا يدفع صاحبها .
أما المواطن وليد فقد بين أن الأفضلية في تسيير المعاملة في السجل العقاري هي لأصحاب المكاتب العقارية ومعقبي المعاملات الذين يدخلون ومعهم رزماً من المعاملات ينجزها لهم الموظفون خلال دقائق بينما المواطن العادي الذي لا يدفع لا أحد يعيره اهتماماً وغمز السيد وليد إلى أن بعض موظفي السجل ربما يتقاضون رواتب من معقبي المعاملات والسماسرة وإلا فما مصلحتهم في تعطيل أمور المواطن العادي ومتابعة إجراءات معاملات المعقبين بالسرعة القصوى ؟
معقب معاملات رفض ذكر اسمه قال لم يتغير شيء نتيجة اجتماعات المحافظين فالورقيات لم يختصر منها شيئاً ، أما زمن المعاملة فقد أصبح أقل بقليل أما مسؤولوا المصالح العقارية فقد أكد لنا أحدهم أن الازدحام الحاصل لا علاقة له بأداء المديرية وإنما بطبيعة المعاملات التي تحتاج لحضور عدد كبير من الأشخاص مما يوحي بوجود ازدحام ، فمعاملة كمعاملة البيع والإفراز قد تحتاج لأن يحضر أكثر من عشرة أشخاص وتحدث عن اللوحة التي وضعتها المديرية على الباب الخارجي والتي تتضمن جدولاً يوضح نوع الخدمة والمدة الزمنية القصوى لإنجازها وأضاف : إن جهل المواطن يجعله فريسة لمعقبي المعاملات الذين يستغلون الاختصار الذي حصل في زمن إنجاز المعاملة لمصلحتهم ويصورونه للمواطن وكأنهم هم من يختصر الوقت نتيجة معارفهم داخل المديرية ولدى السؤال عن اختصار الورقيات أجاب إن معظم الورقيات التي تدخل في معاملات المديرية هي عبارة عن موافقات من جهات لا علاقة للمديرية بها .
النافذة الواحدة كذبة كبرى في دوائر الدولة :
إن نظام النافذة الواحدة الذي أصبح موضة تطالعنا بها معظم دوائر الدولة ما هو إلا كذبة كبرى لم تغير شيئاً في واقع الروتين والمحسوبيات والورقيات في شيء فكل ما قامت به تلك الدوائر هو وضعها تلك اللوحة التي تقول بأن الدائرة تسير وفق نظام النافذة الواحدة مع سهم يدلك على تلك النافذة التي تفاجأ في نهايتها إما ببهو يحتوي على عدد من النوافذ التي لا تسير المعاملة فيها إلا عن طريق معقب المعاملات أو عن طريق دفع المعلوم وإما أنها تنتهي بغرفة صغيرة فيها عامل بوفيه أو عامل آلة طابعة يعرض عليك خدماته مقابل مبالغ معينة في حال قررت أن لا تخوض مغامرة تسيير المعاملة بنفسك ، وبالتالي فإما أن رؤساء هذه الدوائر يعصون أوامر رؤسائهم في تطبيق هذا النظام وإما أن رؤساء هذه الدوائر مع رؤسائهم يضحكون علينا نحن المواطنون ففي مديرية تربية القنيطرة تلاحظ عبارة نظام النافذة الواحدة على الباب الخارجي للمديرية مع عدة أسهم للدلالة ، تنتهي بغرفة صغيرة فيها عامل آلة نسخ ، أما النافذة الواحدة الحقيقية فهي أن تقف بالدور على كل أبواب رؤساء الدوائر التي ستراجعهم والتي هي في الغالب أبواب مغلقة يفتحها الآذن بين الحين والآخر لإدخال بعض طلبات المراجعين .
وفي مديرية تربية دمشق : فإنجاز معاملة متوسطة تتعلق بالتعليم الأساسي يكلف المراجع خسارة 5كغ من وزنه فالديوان يقع في مبنى والتعليم الأساسي تقع في مبنى آخر وفي الطابق الثالث وعلى المراجع أن يصعد إلى الطابق الثالث ثم ينزل ويدور حول المبنى ليصعد إلى الطابق الأول في المبنى الثاني أكثر من خمس مرات لأبسط معاملة .
فأم رامز المدرسة التي انتقل عمل زوجها من مدينة دمشق إلى حمص قالت : بقي زوجي أكثر من خمسة عشرة يوماً يداوم في مديرية التربية من أجل أقام معاملة نقلي إلى حمص ثم انتقلت المعاملة إلى الوزارة التي كان فيها الوضع أفضل إذ أنجزوا كل ما عليهم بسرعة لا بأس بها ولم يكلفونا عناء التنقل بين الغرف لأخذ توقيع من هنا وختم من هناك وتابعت أم رامز أعطوني ورقة من الوزارة ( وظننت أنني انتهيت من هذه المعاملة التي أصبحت أكثر من ثلاثين ورقة ) وطلبوا مني أن أعود بها إلى مديرية تربية دمشق لأخذ إنفكاكي منها والتحقت بعملي الجديد في حمص فذهبت إلى التعليم الأساسي وكانت الموظفة المسؤولة في إجازة لمدة يومين ولا يوجد من ينوب عنها وبعد واسطات تبرعت إحدى الموظفات بتسيير أموري فأعطتني ورقة وطلبت مني أن أنزل إلى الطابق الأول للتدقيق والنسخ ثم العودة إليها وبعد أن فعلت طلبت مني أن أذهب إلى المدرسة التي كنت أعلم فيها وأتيها بورقة إنفكاك فذهبت فلم يعطيني المدير الورقة بحجة أن الكتاب يجب أن يوجه إليه من مدير التربية وليس من التعليم الأساسي وبعد توسلات إليه قرر أن يساعدني ويعطيني الورقة فعدت في اليوم الثاني إلى التعليم الأساسي فوقعوها وطلبوا مني العودة إلى الطابق الأول للنسخ ثم إلى التعليم الأساسي ثم إلى الديوان ثم إلى ديوان آخر إلى أن أعطوني ورقة لآخذها إلى مديرية التربية في حمص والتي قالوا لي أنني سأبدأ هناك رحلة جديدة من المعاناة مع هذه المعاملة وأضافت أم رامز لقد أخبروني في حمص أن هذه الورقة لا تكفي فأنا بحاجة إلى جولة أخرى من تسيير هذه المعاملة لأتمكن من نقل راتبي من دمشق إلى حمص .
البلديات لم تخفف سوى زمن معاملة الرخص
أكد عدد من رؤساء البلديات في دمشق أن معظم الإجراءات والتوصيات التي صدرت عن اجتماعات المحافظين غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع والأمر الوحيد الذي تغير على صعيد المعاملات هي معاملات الرخص ، أما باقي المعاملات فما زالت على حالها .
أما بالنسبة لمراكز الهاتف في ريف دمشق فقد أكد عدد من رؤساء مراكز الهاتف في الريف أنهم لم يتلقوا أية بلاغات أو تعاميم تخص تخفيف الروتين ،ولكنهم أكدوا أنهم يقومون بأتمتة المعلومات ليتحولوا إلى التعامل حاسوبياً مع المواطنين بغض النظر عن المحافظين واجتماعاتهم ،ولكن على أرض الواقع فقد اشتكى عدد من المواطنين من تعقيدات المعاملات في مراكز الهاتف ،فمثلا معاملة إعادة الاشتراك بالهاتف تتطلب من المواطن الذهاب أكثر من عشر مرات بين مركز الهاتف والإدارة العامة في شارع النصر ، وقد أحصينا أربعة عشر توقيعاً على معاملة السيد (محمود .ل ) الذي قال : لقد طلبوا مني كل هذه التواقيع بعد أن قاموا بتبصيمي ثلاثة مرات في مكتب العقود وفي المكتب الفني وفي مكتب التركيبات وأضاف : لقد صار لي 15 يوماً في هذه المعاملة مع الملاحقة اليومية .
وفي النهاية : نعتقد أن اجتماعات المحافظين مع وزير الإدارة المحلية لم ولن تعطي النتيجة المرجوة منها لأنهم أصبحوا يعتبرون اجتماعاتهم كنوع من تحصيل الحاصل وبنفس الروتين السائد في المعاملات التي يبحثون شأنها إضافة إلى أن المحافظين قد تناسوا أن رؤساء الدوائر الذين أرسلوا إليهم تعليماتهم لتزويدهم باقتراحات للتخفيف من الروتين هم في معظمهم من المستفيدين من تعقيدات هذا الروتين ومن الوضع السائد ، والدليل أن كثير من تلك الجهات قد كان جوابها على تلك التعاميم أنه لا وجود لروتين أو ورقيات زائدة لديها .
كما أن هذه العملية تحتاج إلى اجتماعات على مستوى رئاسة الحكومة وإلى دراسات من قبل مختصين في كل المجالات مع الاستئناس بآراء رؤساء الدوائر وتحتاج إلى زيادة ملاكات الدوائر التي تشكو من نقص في ملاكاتها لزيادة قدرتها على العمل بشكل أسرع وتسيير أمور المواطن بالشكل الأمثل .
والأمر الأهم هو متابعة القواعد الجديدة لسير المعاملات بجدية وصرامة من قبل جهات رقابية تكون قادرة على كشف أي خلل أو تلاعب بتلك القواعد فمن غير المعقول أن يستطيع أي مواطن عادي أن يلمس الفساد في أي دائرة أو مؤسسة ويتعامل من خلاله دون أن تستطيع أي جهة رقابية الوصول إلى هذا الاكتشاف العظيم .