إعصار المازوت وجنون أسعار المياه في صحنايا وأشرفيتها
استفاق أهالي صحنايا وأشرفيتها كباقي الناس في بلدنا على الضربة القاضية المفاجئة التي وجهتها الحكومة لقطاعات واسعة من الشعب برفع أسعار مادة المازوت التي ارتفعت بجنون ودون قيود اقتصادية أو أخلاقية لترفع معها أسعار جميع المواد وخاصةً المواد ذات الاستهلاك الشعبي.
إن الارتجال باتخاذ القرارات الحساسة لم يأخذ بعين الاعتبار مصير ملايين الناس، وتأثير ذلك القرار التدميري على معيشتهم وأبسط المقومات الضرورية لحياتهم، فقد حول قرار المازوت، مياه صحنايا وأشرفيتها إلى السوق السوداء، ونشأت طبقة من الوحوش تتعمد التحكم ببيع ماء الشرب، وماء الاستعمال اليومي للمواطنين, لأن مؤسسة المياه تعتمد سياسة عجيبة في توزيع المياه وتقنينها، فهناك أحياءٌ يصلها الماء ليلاً ونهاراً، أما الأحياء التي يعتبر سكانها من أولاد الجواري، فيصلها الماء مرةً كل أسبوع فقط، ويصرِّف سكانها أمورهم بشراء الماء من السوق السوداء، بالأسعار المحكومة بالحاجة الماسة، وبانعدام الأخلاق، وبالغياب التام لأية رقابةٍ على أسعار المياه وعلى شروطها الصحية.
فمثلاً: حي بيت فرزان وحي الشواقة، قررت المؤسسة قطع المياه عنهم نهائياً، بحجة أن الماء لا يصل إليهم في الشبكة، لكنها لا تنسى تسليمهم إنذارات بقطع المياه، المقطوعة عنهم أساساً، بحجة أنها ترسل صهاريج تعبئ خزانات البيوت، ولا تدفعون لقاء المتر المكعب الواحد سوى إكرامية بسيطة قدرها 25 ليرة سورية، مع أن المؤسسة تدفع 125 ألف ل.س لسائق الصهريج.
لقد ولَّدت التوجهات الاقتصادية الليبرالية كل إمكانيات تفريغ الحالات الشاذة في صحنايا مبرزةً غيلان الطبقة الجديدة من أثرياء التجارة بالماء في السوق السوداء. وكل هذا كان بسيطاً قبل جائحة جنون المازوت، فقد توقف سائقو الصهاريج عن توزيع المياه فور سماعهم لغلاء المازوت، وبدأت أذهانهم الوقادة وأحلامهم الجشعة بتخيل فرص الثراء غير المحدود التي خلفتها الظروف التي ولدها ذلك القرار، وبدؤوا يرتجلون أسعاراً ليس لها حدود، مدَّعين أن أصحاب مناهل المياه العاملة على المازوت والكهرباء، قد زادوا من أسعار المياه.
وارتفعت إكرامية سائق الصهريج من 25 إلى 125 ل.س للمتر المكعب، ولما سألنا مدير مؤسسة المياه عن ذلك، احتج وقال:لم نعطِ أية تعليمات لرفع الأسعار، واتصل بالسائق وقال له: لا تزيدوا الأسعار من عندكم، وإذا لم تعجبكم الأسعار القديمة فأوقفوا صهاريجكم، إلى أن نناقش الموضوع مع المؤسسة العامة للمياه. وهذا ما حدث، وتحولت أحياء عديدة إلى سوق سوداء كاملة، ووضعونا في فم تنين الأسعار الجديدة البالغة 300 ل.س للمتر المكعب الواحد.
تحتاج كل أسرة حسب الأسعار المفتوحة للماء في السوق السوداء إلى 800 ل.س في الأسبوع، أي ما يعادل 3200 ل.س شهرياً وهذا يساوي 30 % من دخل المواطنين الذين يبلغ دخلهم الشهري 10000 ل.س
وهكذا فقد ابتلعت الأسعار الجديدة للمياه مسبقاً الزيادة المتأخرة للرواتب.
وإنك لترى دموع الناس المتحجرة، وتنهداتهم الحارة وعيونهم الحائرة، لانعدام الحيلة والوسيلة والأمل بأي خلاص وحل، فها هي «أم أكوب» المرأة المريضة التي بلغت من العمر 65 عاما تطارد الصهاريج مستجديةً الماء، الذي لا تقوى على دفع قيمته، فبثلاثة آلاف ليرة تريد أن تعيش وتتداوى وهي مخيرة بين أن تشتري الدواء أو الماء. وها هو «أبو راجي» الذي يشقى أربع عشرة ساعة في اليوم وأكثر يتلقى تهديد مؤسسة المياه بقطع ماء الصهاريج عنه إذا لم يدفع خمسة عشر ألف ليرة سورية، تراكماً لقيمة مياه لم تصل إلى عداد منزله أبداً.
أما «أبو رامي» فقد توقفت كليتاه عن العمل بسبب سوء المياه، وهو يذهب لغسيل الكلى مرتين في الأسبوع، ودخله لا يتجاوز أربعة آلاف ليرة في الشهر، ولديه عائلة مؤلفة من أربعة أفراد ولا يجد جواباً ولا أملاً في دفع ما قيمته 2500 ل.س ثمناً لماء من المفترض أن تقدمه مؤسسة المياه.
تمتلك بلدة أشرفية صحنايا نبعاً اسمه الشواقة كان يسقي أهالي البلدة، وقد جف في الحقيقة في سنين الجفاف، لكن عدة أبار خاصة مازالت تضخ المياه ليلاً ونهاراً من حوله وعندما نسأل لماذا لا تحفرون أبارا في تلك المنطقة وهي ملك لأهالي البلدة؟ يكون الجواب: إن النبع وأرضه مملوك من الجمعية الفلاحية وإن المؤسسة ليس لها الحق في الحفر إلا إذا وافقت الجمعية الفلاحية، فندور من جديد في الدائرة المفرغة الشهيرة: ((الجاجة بدها قمحة، والقمحة عند الفلاح، والفلاح بدو محراث.... إلخ)).
إن المياه مشاع بين الناس وليس من حق أحد أن يشرب ماءً تعود ملكيته إلى كل الناس ويبقيهم عطاشاً، وإن أنياب السوق الاجتماعي التي عضتنا وتكاد تطحن عظامنا، تحتاج إلى مراجعة حازمة قبل أن يبدأ الطوفان.