معاناة مزارعي التبغ
تعمل في زراعة التبغ، ويعيش من موردها، آلاف من الأسر في محافظة طرطوس، وخاصة في مناطق الشيخ بدر والقدموس، وقد واجهت هذه الزراعة العديد من الصعوبات والمعيقات، إثر ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج ومستلزماته.
زراعة التبغ تعتبر من الزراعات الصيفية البعلية، تعتمد على الأمطار الربيعية الخفيفة بشكل أساسي، وعلى السقاية أثناء فصل الصيف، وقد تراجعت هذه الزراعة بسبب ارتفاع أسعار تكاليف إنتاجها، من الشتول إلى الأسمدة والأدوية إلى أجور الحراثة والفلاحة، مروراً بالسقاية والقطاف، ، ناهيك عن ارتفاع أسعار المازوت، وقد تزايد ارتفاع هذه التكاليف مع قلة اليد العاملة وارتفاع أجورها خلال السنين الماضية، ليضاف إلى ذلك كله العوامل الجوية، حيث يتأثر المحصول بالعواصف والبرد والجفاف، كما يتأثر بالأمراض والآفات الحشرية.
جدوى اقتصادية متراجعة
المزارعون يقولون: إن زراعة التبغ لم تعد ذات جدوى اقتصادية بالنسبة لهم، وذلك لعدم وجود تناسب بين تكاليف الإنتاج والسعر الرسمي التي تستجر به مؤسسة التبغ هذا المحصول، حيث يذهب عناء هؤلاء المزارعين والفلاحين، وجهودهم المضنية التي يبذلونها طيلة العام، بمهب الريح، وذلك لعدم إنصافهم بالسعر من قبل مؤسسة التبغ، ما يعني عدم تمكنهم من تغطية تكاليف معيشتهم بالتالي، وتدني مستوى هذه المعيشة عاماً بعد آخر.
زراعات بديلة
البعض من هؤلاء المزارعين بدأوا بالعزوف عن هذه الزراعة، والتحول إلى زراعات أخرى أكثر جدوى من الجانب الاقتصادي بالنسبة لهم، مثل الخضراوات والفواكه وغيرها، وذلك من أجل تغطية أفضل لنفقات المعيشية اليومية.
والبعض الآخر يلجأ إلى تهريب جزء من إنتاجه للسوق السوداء، تعويضاً عن الخسائر التي يتكبدها جراء تسليم الإنتاج كاملاً للمؤسسة بالسعر غير المنصف.
هذا وذاك يعني تراجع الإنتاج لهذا المحصول مع مرور الوقت، وما يعني من انعكاس سلبي على الصناعات المرتبطة بهذا الإنتاج وعائداته على مستوى الاقتصاد الوطني العام.
تراجع بالإنتاج واستمرار بالخسائر
الأرقام الرسمية تشير إلى تراجع إنتاج التبغ لهذا العام عن العام المنصرم بمقدار 300 طن، حيث كانت العام الماضي /1520/ طناً، فيما تشير التقديرات لهذا العام بأنها لا تتعدى /1200/ طن.
مؤسسة التبغ بدورها عكفت على رفع أسعار أصناف التبغ المنتجة من المزارعين والفلاحين لهذا الموسم، ووضعت آلية جديدة للتصنيف والتسعير، تحت ضغط المطالب المستمرة من هؤلاء من أجل الإنصاف بالسعر والتصنيف، والحد من أساليب السمسرة والرشى المرتبطة بهذه العملية، ولكن هذا الرفع لم يرق إلى حدود تغطية التكاليف والجهد والعناء، حيث رفعت المؤسسة الأسعار بنسبة وصلت إلى 30%، في حين أن تكاليف الإنتاج ترتفع لأكثر من 200% في كل موسم، ما يعني استمرار الخسائر للمزارعين، على الرغم من الارتياح على مستوى الآلية الجديدة المتبعة بالتصنيف، والتي يأملون استمرارها والرقابة عليها، بعيداً عن المحسوبيات والرشى والسمسرة التي كانت طاغية على عمل اللجان المختصة بهذا الجانب من العمل فيما مضى.
إعادة النظر بالأسعار
المزارعون يقولون: أنه من الهام إنصافهم للحفاظ على هذه الزراعة وهذا المحصول، وذلك يكون بأن يحصلوا بنتيجة عنائهم وجهدهم على ما يعادل تكاليف إنتاجهم وجهدهم، مع الربح المناسب الذي يؤمن لهم الحياة الكريمة واللائقة على مستوى معيشتهم ومتطلبات هذه المعيشة اليومية لهم ولأسرهم، الأمر الذي يعني إعادة النظر بأسعار الشراء من قبل مؤسسة التبغ بما يحقق التوازن المطلوب بهذه المعادلة (تكاليف الإنتاج ومستوى المعيشة اللائق)، وتأمين مستلزمات الإنتاج من أسمدة وأدوية ومازوت وغيرها، بسعر اقتصادي مدعوم، بالإضافة إلى التعويض المناسب جراء التغيرات المناخية والظروف الجوية، وخاصة الصقيع الذي يقضي على جزء من هذه المحصول كل عام، أو يتم تصنيفه بدرجات أقل، وبالتالي بسعر أدنى، بنتيجة العوامل الجوية الذي لا ذنب للمزارعين بها.