الهروب من المدرسة.. انعكاس لتردي أوضاع المجتمع..
مر شهر ونصف تقريبا على بدء العام الدراسي، ومازال العشرات من طلاب المدارس تائهين حائرين بين الاستمرار بالمدرسة أو اللجوء للشارع وما زالت ساحة (الأموي) تمتلئ يوميا بهؤلاء الطلاب ومن جميع المراحل الدراسية مابين الثامنة صباحا والثانية عشر، بعيدا عن أعين الرقابة المدرسية والأسرية، فيلهون ويتسكعون غير آبهين أو مدركين لمصيرهم، فكل واحد منهم قد يكون مشروع منحرف أو نشال أو لربما مجرم أو مدمن، فهل من سبيل لمساعدتهم والأخذ بيدهم وإعادتهم إلى حيث يجب أن يكونوا ليندرجوا بالعملية التربوية التعليمية قبل فوات الأوان، ولماذا تتلكأ الجهات المفترض بها رعايتهم وحمايتهم بالقيام بمسؤولياتها؟؟
من المسؤول؟؟
حين تقترب من ساحة الأموي عند الصباح وأنت ذاهب لعملك، يخيّل إليك بأن جولة تعليمية اطلاعية تقوم بها إحدى المدارس لكثرة عدد الطلاب المنفلتين من أي انضباط أو رقابة، لتدرك بأنهم هاربون من مدارسهم بكافة مراحلها، همهم أن ينقضي الوقت ليعودوا إلى المنزل ليوهموا ذويهم بأنهم عائدون للتو من المدرسة. فمن المسؤول عن هذا التسيب؟
- فراس طالب من الصف العاشر، حين التقيته كان غارقا في دخان سيجارته سارحا في المجهول، وحين سألته عن سبب تواجده خارج المدرسة، أجاب بأنه تأخر هذا اليوم عن المدرسة (الثانوية الشرعية) لأنه يأتي يوميا إلى الميدان قادما من سقبا، وهو يحتاج لثلاثة سرا فيس ليصل مدرسته، وغالبا ما يصل متأخرا، وهذا يعني بقاءه خارج المدرسة، مما يتطلب منه إحضار ولي أمره وتقديم عذر أو تقرير طبي، وهنا تبدأ المعاناة..
- (سعد) في الصف السادس، هرب حسب زعمه بصحبة زميله (سامر) لأن المعلم هددهما برفعهما فلقة إذا لم يكتبوا وظيفة الرياضيات!!
- (محمد) و(علي) و(قصي) جميعهم دون الخامسة عشر، كانوا يتبادلون سيجارة فيما بينهم، ولكل واحد منهم قصة أغرب من الخيال..
- تحلق عشرات الطلاب الهاربين من مدارسهم قرب البحرة حول حمائم الأموي، وراحوا ينثرون الحبوب لها ومنهم محمود الذي يرغب أن يصبح بائع حمام لأنه (مو نافع بالدراسة) كما يقول له والده ..!
الأهل يتحدثون
- أبو حسن، وهو والد لأربعة أولاد أكد أن عمله يفرض عليه البقاء خارج البيت لفترات طويلة، وهو مطمئن إلى أن زوجته تتابع أمور أولاده المدرسية ولا مشكلة عنده إذا تعلموا أم لا، فلديهم ما يكفي، ثم إنه يحتاجهم معه بالعمل إذا فشلوا بالدراسة..!
- أبو علي عامل في مؤسسة حكومية وراتبه محدود، واحتياجات المدرسة كثيرة ولا يستطيع في كل مرة أن يعيد ولده للمدرسة إذا هرب، وحين سألته إذا كان يحضر اجتماع أولياء الأمور، قال إنه لم يسمع به..!
- السيد عبد القادر- ضابط متقاعد يقول: «تغيب ابني خمسة عشر يوماً عن المدرسة دون علمي، وحين راجعت إدارة المدرسة، قالوا إنهم اتصلوا بنا بعد ثلاثة أيام من غيابه ولم يجدوا أحدا،ً إلى أن أرسلوا خبرا مع أحد رفاقه، وخلال هذه الأيام كان ابني يتردد مع بعض رفاق السوء إلى مقهى يلعبون الشدة ويدخنون»..
الجهات التربوية
لاشك أن ظاهرة الهروب من المدرسة تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى الآليات والخطط والمناهج التعليمية والتربوية، وتدفع إليها جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي ترهق المجتمع السوري وتدفع به إلى الوراء..
فماذا يقول في ذلك بعض التربويين؟؟
الأستاذ عماد مدير مدرسة إعدادية، أكد على دور البيت في هذا الموضوع، وحمّل المسؤولية للأهل، إذ يتوجب عليهم حضور مجالس أولياء الأمور، ومراجعة المدرسة بين الحين والآخر ليتابعوا أحوال أولادهم بيوم ودرساً درساً.
• ماذا تتصرفون في حال التأخر الصباحي؟.
نحن عادة نترك المجال مفتوحا أمام الطالب لكي لايكون له حجة، حيث نعاود فتح الباب الرئيسي بعد قرع الجرس بعشرة دقائق ريثما ننتهي من الاجتماع الصباحي، وإذا تأخر الطالب أكثر من ذلك يعتبر غائباً، وعليه تبرير غيابه في اليوم التالي، أو إحضار ولي أمره ليتعهد بعدم التكرار..
• وإذا تغيب الطالب أكثر من يوم على التوالي؟
في هذه الحال نقوم بالاتصال بأهله بعد ثلاثة أيام إن أمكن ذلك، أو نرسل لهم رسالة مع أحد زملائه، وإذا بلغ غيابه خمسة عشر يوما متواصلا دون إذن شرعي كالمرض أو السفر الطارئ، عندها نقوم بإجراءات الفصل.
الإرشاد التربوي والنفسي
السيدة لالا مرشدة في إحدى مدارس دمشق، تقول:
ظاهرة التغيب عن المدرسة والهروب منها منتشرة بكثرة، وخاصة بين الذكور، أما عند الإناث فلا تكاد تذكر، ويعود هذا إلى طبيعة مجتمعاتنا المحافظة وهاجس الخوف الدائم عند البنات، وفي الغالب يدفع الطالب للهروب عوامل عدة، كإهمال الأهل في متابعة أولادهم، وقلة الوعي الاجتماعي مما يعيق تفهم الآباء لاحتياجات أولادهم النفسية والسلوكية في مختلف المراحل العمرية وخاصة مرحلة المراهقة، إذ أنها مرحلة هامة وحساسة ويجب التعامل معها بحذر. وهناك رفاق السوء وتهاون المدارس في تطبيق الأنظمة والقوانين لحالات التسرب مما يشجع على التمادي في ذلك وهناك أيضا اليأس الذي بدا يتسلل إلى نفوس الطلاب والأهل على حد سواء بسبب ارتفاع معدلات القبول الجامعي.. كلها أسباب تدفع الطالب للتفكير بالهروب ناهيك عن تغيب دور المرشد النفسي والتربوي في كثير من الأحيان، والذي غالبا ما يقوم به الموجه والمدير والأساتذة على طريقتهم الخاصة..!!
وهنا نتساءل لماذا لا تخصص حصة درسيه أسبوعية على الأقل للتوجيه التربوي والنفسي أسوة بحصة الموسيقى والرياضة والرسم، لا أن يعتمد في ذلك على حصص الفراغ، أو إذا دعت الحاجة؟؟
إن ساحة الأموي ليست الوحيدة التي يلتقي فيها الطلاب الهاربون، فهناك المقاهي والحدائق العامة وصالات الانترنيت والألعاب والتسكع في الشوارع وغيرها من الأماكن التي قد تكون مرتعا للانحراف والرذيلة تقودهم إلى الضياع وتحرمهم من أن يكونوا منتجين فاعلين، فهل ندركهم قبل فوات الأوان..!!؟