«غرف الدردشة» كل ما جنيناه من الثورة الرقمية!
يعيشون على هامش الضياع.. يغتالون أجمل سنوات عمرهم، يهدرون وقتهم دونما احتساب، فيما الوقت مفرط في تسارعه الذي لا يقف عند حد أو أحد، بل يلتهم الجميع..
الشباب السوري يحرقون ساعات متواصلة أمام جهاز الكمبيوتر في أحاديث تتضمن كل شيء، ولكنها تخلو من قيمة حقيقية، تحول شبابنا لمدمنين لها أشبه بإدمان المخدرات، لا بل أصبح موضة العصر، الكثيرون باتوا يصعبون سبيل التخلص من هذا الإدمان، فلا علاج واقعياً يكون البديل الحقيقي لحماية هذه الطاقات التي لم تجد ضالتها في الواقع، فهربت إلى حيث عالم الافتراض. وعلى العكس، كل شيء يدفعك أن تزيد من علاقتك بالشبكة الدولية للمعلومات، فالفراغ والبطالة والفقر والمستقبل غامض المعالم ومسيرة اليأس والإحباط في حياة الكثيرين من شبابنا، هذه العوامل تفضي بهم إلى بدائل كهذه، كان بالإمكان أن يكون اقتحام هذه التكنولوجيا حياتنا بداية لثورة التغيير، ولكننا – نحن شعوب الشرق- تعودنا على أن نرث فقط مخلفات الآخرين..
■ غزو من نوع آخر
لو بدأنا السؤال الأهم حول الأسباب الحقيقية في اختيار شبابنا الاقتران بجهاز الكمبيوتر وتضييع الساعات في غرف المحادثات الصوتية، سيكون الجواب البديهي هو أن الشاب نفسه يسعى أن يتخلص من فراغ مؤسف في شبابه فلا أحد يعنيه إن كان موجوداً أو غير موجود، والفراغ نفسه سيدفعه أن يتلقى التأثيرات الوافدة من الخارج بتأثيرات العولمة الاقتصادية والثقافية. وبميزان الربح والخسارة لا يعني أحدا موقعنا في المعادلة، ونحن خسرنا أشياء كثيرة حينما أسانا التصرف في التعامل مع هذه التكنولوجيا المتطورة جدا، التي غيرت معالمنا ومصطلحاتنا، وحتى شكلنا الخارجي، وغيرت قيمنا، ونحن أجبرنا أن نقارن نمط معيشتنا بحياة الغرب الذين استفادوا من الثورة التكنولوجية في تطوير كل مفاصل حياتهم، أما نحن فقد ورثنا مخلفاتهم بجدارة!!
■ نتائج الثورة الرقمية
يبقى شبابنا الضحية رقم واحد في عملية التفاعل والتعامل مع الإنترنت تحديداً، وحتى لا نعطي صورة سلبية تماماً في استخدام شبابنا لهذه التكنولوجيا، نقول إن الأغلبية لم تستثمرها بما هو إيجابي نتيجة لحالة التجاهل لمشاكل ومتطلبات هذه الشريحة التي تعيش توتراً واختلالات مبكرة في التعاطي مع المستقبل.
سألت أحد الشباب كيف يتعامل مع النت، وكم من الساعات يقضيها لملء أوقات فراغه، وهل يتصفح النت بغرض التثقيف أم التسلية وإضاعة الوقت؟ فأجاب: هل تعرفين طبيعة القضايا والموضوعات التي تشغل فكر كل الشباب الذين يرتادون مقاهي النت التي تزداد يوما بعد آخر؟ لا أتصور أنني جالست شابا يتصفح موقعاً ما للفائدة أو المعرفة.. معظمهم يقضي وقته في غرف الدردشة التي بات من الصعب إحصاؤها، هناك آلاف المواقع والمنتديات، والشباب متفرغون تماما لأن يؤسس كل واحد غرفة خاصة به، وربما بهم. باتت غرف المحادثة تلك البديل الحقيقي عن واقع لم يلتفت ذات يوم لقضايا الشباب أبداً. وأما عن الوقت، فبحسبة بسيطة الساعات التي تضيع يومياً بين شبابنا لا تقدر بثمن ولا تقدر بزمن كونها تصل إلى ملايين الساعات لآلاف من الشباب في غرف لا طائل من ورائها سوى الفراغ والبطالة والتهميش المتعمد، ولا استثني نفسي كوني شاباً يتعاطى هذا الإدمان. ولو توجهتم بالسؤال حتى لمن يديرون تلك المقاهي بالرغم من الفائدة المادية ولكني متيقن انه لا يروق لهم حال شبابنا اليوم في تلك الغرف الفارغة.
الحل بسيط؟
توجهنا بالسؤال للأستاذ محمود حسين، وهو شاب يعمل في مجال البرمجيات ويدير مقهى انترنت في دمشق، حول كيفية استثمار هذه الشبكة العملاقة بما يخدم واقعنا وشبابنا معا، ومن هم أكثر المترددين على تلك المقاهي؟ فأجاب: يعتبر العمل في البرمجيات من أهم أنواع التجارة المربحة، فنرى في شارع واحد عدة مقاهي إنترنت.. الربح في النهاية لا يعود سوى على صاحب المقهى، ومن ثم الشركات الأجنبية الكبرى التي تستثمر مليارات الدولارات لدفع التكنولوجيا للأمام، وتستفيد ماديا أيضا، كي تغزونا على طريقتها الخاصة. ونحن لم نجنِ سوى خسارة كبيرة لطاقات الشباب الذين يقتلون وقتهم في غرف المحادثات الصوتية التي كان من المفترض أن تعيش واقعها الطبيعي في الحياة بمساعدة هذه التكنولوجية. ماذا لو فعلنا مثل «مايكروسوفت» ووظفنا هذه الطاقات في مجال الكمبيوتر بطريقة سليمة وصحيحة، عبر توجيه هؤلاء الشباب لدراسة وعمل البرمجيات؟؟ لتحول هذا الوقت المهدور بلا قيمة لملايين الدولارات والتي تدر دخلاً على الوطن وعلى هؤلاء الشباب، وتجتذب طاقاتهم، وتملأ أوقاتهم بأشياء مفيدة، وتفتح أمامهم عتبات المستقبل بشكل أفضل..
زوار المقاهي لا يختارون إيجاد الحلول؟
لا يقتصر زوار المقاهي على فئة عمرية معينة الكل يرى إنه يجد ضالته وحلا لمشكلته فالشباب الذي وجد نفسه على قارعة الفراغ يجوب العالم عبر النت ويتصرف بحرية لا رقابة فيها، أما فئة الأعمار الكبيرة التي تتجاوز سن 35 إلى سن 50 عاماً، فيترددون على هذه الغرف كنوع من الهروب من مشاكل وخلافات زوجية، و آخرون مطلقون أو فاتهم قطار الاستقرار الأسري، ونماذج أخرى لا تجد ضالتها في الواقع، وفي عالم الإنترنت ما لا يمكنك توقعه موجود!
لغة التداول وابرز القضايا؟
الكل يعي تماما خطورة استخدام الإنترنت بالشكل المفرط ومن ثم خطورة أن يتعامل أي شخص يوميا مع آخرين يختلفون من مكان لآخر وتختلف ثقافتهم ولغاتهم وتربيتهم ومشاكلهم، ويعني ذلك مناقشات سيغلب عليها طابع التزييف وتغييب الحقيقة والتسطيح في المناقشة وغياب الجدية في مناقشة قضايا تحتاج لجدية وموضوعية في الواقع لا في غرفة الدردشة التي تغيب عنها ضوابط أخلاقية وقانونية. والموضوع يتجاوز تلك الضوابط فيما لو كان أطراف الحوار شاب وفتاة تتم بينهم علاقات عابرة ومزيفة، ونادراً ما تؤدي إلى معرفة وصداقة حقيقية تثمر في النهاية زواجا واستقراراً، وهي بالنهاية مجازفة غير محسوبة تتشابك خطوطها في ظل غياب تام لدور الأهل ورقابتهم في متابعة أبنائهم.
لمن نقرع الأجراس؟
نحن أمام مفترق طرق وتحولات كبيرة يشهدها واقعنا ونتعاطاها بشكل مفرط في وقت لا يكترث أحد بحجم المخاطر التي تضيع شبابنا وحتى كبارنا من هذا الإدمان الجديد الذي اقتحم خصوصيات الجميع، ووضعنا أمام مفترق طرق أخرى من الضياع الذي يعيشه شبابنا أصلا لضياع آخر في عالم الافتراض وفي غرف محادثات لا ضوابط على شيء فيها، والحل بسيط في أن نستثمر تلك الطاقات في دفع عجلة المجتمع إلى الأمام عن طريق شغل فراغ هؤلاء الشباب بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بما هو منتج ومفيد.
كلمة أخيرة
كلنا يعي تماما التحديات التي تواجهنا ونحن نفرط في الاستخدام السلبي للشبكة الدولية للمعلومات، في وقت استثمرها آخرون وحولوا كل معاملاتهم إلى لغة التكنولوجيا والأرقام، ونحن مازلنا في غرف الدردشة، ويثبت ذلك عجزنا عن استخدام البرمجيات وغيرها من أعمال الكمبيوتر التي يمكن الاستفادة من جهود كل من يستثمرها سلبا، وبخاصة شبابنا ممن هربوا من واقع سيئ إلى واقع أسوأ، هي بالنهاية تدمر شبابنا وتدفعه لفعل أشياء منافية لقيمه وعاداته، والبديل سهل في أن تتولى الجهات المسؤولة المهمة، وإلا فإن حجم المأساة سيتضاعف..