ومن العشق... ما يذل
هذا هو أنت أيها الوطن الغالي، وها نحن عشاقك، أذلاء على أعتابك، مقهورون مهانون على أبواب رزقك، يعصرنا الجوع والعُري والبرد، حتى نكاد لا نحظى بلحظة نوم هانئ آمن، مطمئنين على فلذات أكبادنا الذين أخذت منهم المعاناة كل مأخذ. غرباءٌ فيك وأنت غريب عنا. جياعٌ عراةٌ يسحقنا البرد والزمهرير، وأنت لا تدري، أو قد تدري ولكنك لا تبالي.
صور أمثالي من أشباه البشر، تترامى في ساحاتك وعلى مفارقك، يفترشون الحصى والتراب، مجندين بأدواتهم البسيطة، التي تمتُّ إلى العصر الحجري بصلة، غير آبهين بتغير الفصول، فلا فرق إن أحرقت جباههم السمراء شمس تموز، أو اصطكت أسنانهم في محاولة يائسة لدرء التجمد عن أوصالهم المتعَبة، تحت رياح الكوانين السامة. كلٌ يصارع قدره صراع الجبابرة، لعله ينتزع من غياهب المجهول لقمة أطفاله.
لن تنمحي من البال على مر الفصول، صور الباحثين عن الدفء لأطفالهم، الراكضين وراءه بين محطات الوقود، يسعون، كمن سعى بين الصفا والمروة طلباً للمغفرة، من محطة فارغة، إلى أخرى لا يجدون فيها مكاناً للوقوف ووضع أوعيتهم البلاستيكية، ضمن الطابور الذي لا نهاية له، وقد ينتهي توزيع المحروقات قبل أن يصل الدور لكثير من المنتظرين الصابرين.
يقول أحدهم:«إلى متى سنبقى هدفاً للمتواطئين مع الإمبريالية، في المهانة والإذلال؟»
ويقول آخر:«إلى متى سيبقى هذا الفريق الاقتصادي المتحكم بأقدارنا، الممسك بزمام القرارات الظالمة المجحفة بحق لقمة عيشنا، سيفاً مسلطاً على رقابنا؟!!»
عفواً إذاً، وأعتذر منك أيها الوطن الغالي، فنحن لسنا غرباء فيك، بل نحن عشاقك، وأنت لست غريباً عنا، بل الغرباء، الذين يسرقون خيراتك، ويتحكمون بقدرك ومقدراتك، ويغفلون عن الخطر المتربص بك من كل ناحية، ولا يريدون أن يُبقوا لنا سوى الفتات الزائد على موائدهم.
خسئوا!!! فالوطن لا يرضى لأبنائه الأبرار الذل والهوان، وسيلفظهم يوماً دون هوادة، وآن لهم أن يعلموا أن نهاية الظلم قريبة، فليرحلوا دون عودة، مجرجرين أذيال الخيبة والهزيمة، فالوطن لنا، سنصونه بدمائنا وقلوبنا، حياته في حياتنا، وكرامته من كرامتنا.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ■