التوكيلات الملاحية: بين الاستمرار والاستثمار
ورد في صحيفة الثورة، وبالتجديد في العدد رقم /13453/ الصادر بتاريخ 4 تشرين الثاني 2007 مقال للزميل مراسل الثورة في طرطوس هيثم يحيى محمد، حول انطلاق العمل في محطة حاويات طرطوس الدولية، معتبراً إياها إنجازاً عظيماً باعتباره أول عقد يفصل الإدارة عن الملكية في سورية. وقد باشرت الشركة المستثمرة الفليبينية (ICTSI) أعمالها في المرفأ بعد استلام الرصيف المخصص لها، وهو الرصيف الشمالي، اللسان B البالغ طوله 540 متراً بغاطس 13 متراً، وبمساحة إجمالية قدرها خمسة وعشرون هكتاراً، أي مائتان واثنان وخمسون ألف مترٍ مربعٍ، مع 15000 متراً مربعاً من المستودعات الخاصة بتفريغ وتعبئة الحاويات. وقال المدير العام والمدير التنفيذي لشركة محطة حاويات طرطوس بعد التسليم مباشرة: «إن هذا اليوم هو يوم عظيم لنا، ونحن واثقون أنه سيكون يوماً تاريخياً بالنسبة لسورية بشكل عام وبالنسبة للمستوردين والمصدرين بشكل خاص».
وقد مجّد الزميل كثيراً بهذا الإنجاز وسوّق له، وقد يكون هذا تشجيعاً لطرح كل مرافقنا العامة للتأجير والاستثمار.
لنا رأي:
إن مرافقنا العامة هي ملك عام للشعب، وهي محمية بالدستور، ولا يجوز تأجيرها أو بيعها أو طرحها للاستثمار، وأولها وأهمها مرافئنا، حدودنا البحرية، إحدى نوافذنا التي نطل منها، ونتواصل، مع العالم الخارجي، فهل تُقدِم دولة ذات سيادة، على تأجير حدودها؟! هل تؤجر نوافذها وشرفاتها، فتفقد بذلك أمنها وأمانها؟!
نعم لقد تم تأجير حدودنا ونوافذنا، ولم توقف هذا الإجراءَ الكتبُ والمراسلاتُ، ولم تشفع ولم تنفع المذكرات التي تناشد المسؤولين وقفَ هذا القرار، لما فيه من ضرر كبير لاقتصاد البلد. فقد كنا نتمنى على الزميل أن يدرس، بشكل دقيق، الخسارة التي شكلها هذا المشروع، ليس فقط لمرفأ طرطوس بل، لمرفأ اللاذقية أيضاً.
ما الذي حصل؟!
طرحت وزارة النقل ـ مديرية المرافئ، مشروع إقامة وتأجير واستثمار محطة حاويات، في مرفأ طرطوس، بالإعلان رقم /6321/ص، تاريخ 4/10/2005، وعند طرح هذا الموضوع في اللجنة الإدارية لشركة مرفأ طرطوس، تحفظ عليه ممثلو اللجنة النقابية، لعدم وضوح الجدوى الاقتصادية من إقامة هذه المحطة، وعدم وضوح مصير الكثير من العمال، وكذلك للثقة الكبيرة بأن الكادر الموجود، قادر على إدارة هذه المنشأة إدارة اقتصادية جيدة، إلى حد كبير...
ولكن كل هذا لم يؤخذ بعين الاعتبار، وتم إجراء المناقصة التي رست على شركة (ICTSI) الفلبينية التي استفادت، بالإضافة إلى إشغال مساحة 252000 مترٍ مربعٍ واقعةٍ في قلب ساحة المرفأ، وتشكل 1/8 من مساحتها الإجمالية، وتحتاج إلى طرق وخدمات خاصة بها، تقدمها شركة المرفأ مجاناً، والرصيف رقم 7 وطوله 540 متراً، وهو من أفضل الأرصفة من حيث الأعماق والمواصفات، والذي يشكل العامل الأساسي في جذب البواخر ذات الحمولات الكبيرة، و إخراجه من المرفأ، ووضعه في خدمة محطة الحاويات فقط، قد حرم المرفأ من ورود هذه السفن ذات الحمولات، وأثر سلباً على مردود المرفأ ومساهمته في الدخل الوطني.
وقد قدم المرفأ إضافةً إلى ذلك، مستودعاً بمساحة 15000 مترٍ مربعٍ، وهو من أفضل وأكبر المستودعات، بالإضافة إلى الخدمات المجانية التالية، و حُرم منها المرفأ الرئيسي أيضاً:
ـ رافعة غانتري عدد 2
ـ رافعة جسرية عدد 2
ـ حاضنة حاويات عدد 7
ـ قاطر بري عدد 15
ـ ناقلة حاويات قدرة 40 طن عدد 2
ـ ناقلة حاويات قدرة 32 طن عدد 3
ـ ناقلة حاويات قدرة 12 طن عدد 5
وبذلك نرى أن الشركة المستثمرة استخدمت أفضل المواقع والأرصفة، وقسماً هاماً من أفضل آليات التفريغ والشحن الحديثة والمتطورة، التي يملكها المرفأ.
ـ مقابل كل تلك الامتيازات والتسهيلات، ماذا ستدفع الشركة المستثمرة صاحبة الامتياز خلال مدة العقد البالغة 10 سنوات؟!
حسب نص العقد، ستدفع الشركة سنوياً للجانب السوري، ستة ملايين وأربعمائة ألف دولار أمريكي، أي في 10 سنوات ما مجموعه 64 مليون دولار بدل استثمار. أي ما يقارب 64 مليون×50= 3.200مليار ليرة سورية
وحسب نص العقد أيضاً ستدفع الشركة، لشراء تجهيزات البنية التحتية، مبلغ 39.5 مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 39.5 مليون × 50= 1.975 مليار ليرة سورية
فيكون مجموع ما ستدفعه الشركة 3.200 مليار + 1.975 مليار = 5.175 مليار ليرة سورية
بينما لو بقي الرصيف رقم 7، موضوع الاستثمار، تابعاً لإدارة المرفأ، لكان الأمر مختلفاً تماماً، فحسب دراسة الخبير الذي قام بدراسة الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، والذي يبين فيه إن دخل هذا الرصيف يشكل 47% من مجموع دخل المرفأ، الذي بلغ في عام 2005 الماضي، 3.200 مليار ليرة سورية، وتكون نسبة دخل الرصيف المذكور لوحده، 3.200 ×47%= 1.504 مليار ليرة سورية، (وهي قابلة للزيادة).
ويكون مردود الرصيف رقم 7 على مدى عشر سنوات، ودون الأخذ بالاعتبار نمو الحركة الاقتصادية، 1.504مليار × 10= 15.040 مليار ليرة سورية.
بالمقارنة مع ما ستدفعه الشركة، وبالنظر إلى هذا الناتج، نجد الخسارة الكبيرة التي خسرها المرفأ خلال عشر سنوات وهي:
15.04 مليار – 5.175 = 9.865 مليار ليرة سورية، حرمت منها خزينة الدولة.
هذا هو الجانب البسيط من الخسارة، فما هو الجانب الأكبر؟!!
نصَّت شروط العقد، على الشركة المستثمرة، استقدام وكالات بحرية، وبواخر وخطوط ملاحية جديدة، ولكن هذا لم يتم، بل إن الشركة المستثمرة، أخذت البواخر والخطوط الملاحية التي كانت بعهدة شركة التوكيلات الملاحية العامة فقط، وهذه عملية قرصنة واضحة، بل والأسوأ من ذلك، فقد قام وكلاء هذه الشركة باتصالات مكثفة بشركات النقل البحري العالمية، من أجل تحويل بواخرهم، من مرفأ اللاذقية إلى مرفأ طرطوس، وقاموا بزيارة ميناء مرسيليا الفرنسي، وعرضوا هذه الفكرة على جاك سعادة، صاحب شركة النقل البحري الكبرى والمعروفة دولياً، ولكنه رفض بسبب الفارق الكبير في أجور التحميل والتنزيل والخدمة، حسب التسعيرة التي سمحت بها شروط العقد لصاحب الامتياز.
وفيما يلي بعض جداول المقارنة، لأجور تحميل وتنزيل الحاويات، وبعض الخدمات التي يقدمها المرفأ لسفن الشحن، بين التسعيرة الرسمية الأساسية، في مرفأ اللاذقية، والتسعيرة التي سمحت بها شروط عقد الاستثمار للشركة الفلبينية:
جدول مقارنة لحاوية مبردة 40 قدم، مع بدل تخزين مدة 15 يوماً، بافتراض الحاوية 30 طناً
وهنا نرى أن تكاليف خدمة الحاوية، التي سمح بها العقد للشركة المستثمرة، والبالغة715×50=35750 ليرة سورية، تزيد عن ضعفي التسعيرة الرسمية، في مرفأ اللاذقية.
وفي جدول مقارنة لحاوية 40 قدماً، تفريغ بعد 15 يوماً، بافتراض وزن البضاعة ضمن الحاوية، ثلاثين طناً، (بضاعة محلية)، نرى أن تكلفة خدمة الحاوية في محطة طرطوس المستثمرة، تبلغ: 260×50=13000 ليرة سورية، أي ما يقارب ضعفي التسعيرة في مرفأ اللاذقية.
وفي جدول آخر، لمقارنة أجور الخدمات المقدمة لحاوية، 20 قدماً مكعباً، تحصيل على القطار، مدة الخزن 15 يوماً، نرى أن الشركة المستثمرة، قد فرضت رسوماً جديدة، على خدمات كانت شركة المرفأ تقدمها لعملائها مجاناً
مقارنة رسم الخزن للحاويات الفارغة
هذا الجدول يوضح أن رسم الخزن في محطة حاويات طرطوس، يبلغ ثلاثة أضعاف الرسم في مرفأ اللاذقية، وقد يصل إلى خمسة أضعاف، كما هو مبين.
جدول تأجير الآليات (بالساعة)
فاجئنا هذا الجدول، بأن الآليات والخدمات التي قدمها المرفأ للشركة المستثمرة مجاناً، يتم تأجيرها للبواخر التي تطلب الخدمة، وبمبالغ طائلة.
من هذه الجداول، وبالمقارنة، نجد أن دخل الرصيف خلال عام، سيكون على الأقل، ضعف الدخل الذي حققه عام 2005، والبالغ 1.5 مليار ليرة سورية، أي سيكون ثلاثة مليارات ليرة سورية، وفي عشر سنوات، التي هي مدة العقد، سيكون ثلاثين ملياراً، يدفع منها للجانب السوري فقط 5.175 ملياراً، والربح الفاحش الباقي لمن؟
من هنا نجد مدى التسهيلات التي يقدمها الفريق الاقتصادي في بلدنا للمستثمرين الذين يتمتعون بامتيازات كبيرة، إن كانوا مستثمرين محليين أم شركات أجنبية. وهذا ما يدعونا للتساؤل: ما مصلحة هذا الفريق من إسناد اقتصادنا ومواردنا، لقلة يستأثرون بمكاسب كبيرة على حساب خزينة الدولة؟! وهل هذه الشركة الفلبينية حقيقية؟!! أم أنها مجرد أسماء لشركات وهمية؟ يقف وراءها أشخاص متنفذون من الداخل، يتحكمون بالقرار الاقتصادي وعروض المناقصات الداخلية و الخارجية، وإليهم يرجع كل شيء؟!! سؤال ينتظر إجابات كثيرة!