صفر بالسلوك حوّاسو من الدرباسية
لم يكن حوّاسو بشخص عادي في مدينتي الصغيرة «الدرباسية»، بل كان نجمها الكوميدي الأول، وكانت أعماله الكوميدية تسجل على أشرطة كاسيت، وتوزع على أهالي الدرباسية عبر أشهر وسيلة توزيع ألا وهي النسخ والتناسخ وغير ذلك مما يعتبر قرصنة فنية الآن، وكانت طريقته المفضلة هي استخدام ألحان أغاني الفنان الكبير سعيد يوسف وتركيب كلمات كوميدية عليها عوضاً عن كلماتها العاطفية، وكنت دائماً معجباً من معجبي حواسو الكثر في الدرباسية، وكنت أردد أغانيه في السهرات وأنا أعزف على البزق، فيضحك الحاضرون ويسعدون، وعندما يسألونني عن المؤلف، أقول لهم بفخر واعتزاز:
حواسو من الدرباسية، وغالباً ما تكون الحمير مواضيع أساسية في أغانيه، فيخاطب الحمارة قائلاً (لي كريه لي كريه.. أيتها الحمارة.. أيتها الحمارة.. لا تذهبي إلى البيدر... فأنا والقرويون متخاصمون وسيأخذونك إلى المخفر)، وكان كأي فنان لا يعيش من فنه مضطراً إلى العمل، ومن حسن حظه أنه كان يملك دكاناً، فكان يدخل من مهنة إلى أخرى، فتارة تراه «قندرجياً» فيضع لافتة ضخمة على المحل كتب عليها (تصليح دواليب البشر)، وتارة يفتتح محلاً للفروج فيعلق قصيدة على الجدار بعد أن سمى المحل بفروج السلطان (أي شيء أطيب من لحم الدجاج قولوا لي.... فإذا كان على البرغل فزيدوا لي.. فدعكَ من لحم العجول والسخولِ.... إن فرج السلطان مأكولي)، ولم تكن جدران المحل بمنأى عن مرحه فكانت مليئة بالكتابات المضحكة، ولشدة شعبيته في حالته الساخرة تلك وافق عازف البزق الأول في الدرباسية وسائر المشرق «حسن» على العزف برفقة أغانيه التي كان يسجلها في البيت وعبر المسجلة العادية طبعاً وبحضور النخبة من سميعته، وكان أن وصلت أغاني حواسو المركبة على ألحان أغاني سعيد يوسف إلى الأخير شخصياً فلم يغضب، ولكنه عندما التقى به في إحدى المؤتمرات الفنية الجزراوية أي إحدى الأعراس قال له: أنت حواسو الذي يخرب أغانيي؟! فأجابه حواسو: أنا لا أخربها ولكنني أدمرها.
ومن حلب كنت آتي إلى الدرباسية وأتوقف أمام محله بوجل خائفاً من مجرد إلقاء التحية، فقد كان نجمي المفضل، وجليس سهراتي مع أصدقائي الأكراد عبر ترديدنا لأغانيه الضاحكة، وكان قد غنى عن تحديد النسل وقتها عبر أغنية يسخر فيها من كثرة الإنجاب ومن الأميّة والأميين، واعتبر أن الأمي من الممكن أن يمزق سندات ملكية أرضه ظناً منه أنها مجرد أغلفة لقطع البوظة تخص شقيقه الصغير، كما سخر من الفخر بالدرباسية، فحكى عن حماليها وعمال الميرا والبرغش الشهير والفتيات على البلاكين في زمن لم تكن فيه بلاكين، وبالطبع غنى ضد أهالي عامودا الذين يمشون في منتصف الشارع ولا يتزحزحون لتمر السيارات العابرة، وطالبهم بالمكوث الإجباري في البيوت، وتغزل بطبخة اليبرق مقسماً أغلظ الأيمان بأنها أكلته المفضلة، وحكى عن الكلاب والقطط وتأففهم من بخل السكان، ولكن تبقى غزلياته في الحمير هي الأشهر.
لا أعرف شيئاً عن حواسو الآن، ولكن ما أعرفه، هو أنه كان أحد الذين أثروا بي، بل وغيّر لي مجرى حياتي، فمن أحلامي الرومانسية الحزينة، إلى أفكاري الثورية المتجهمة، جاء حواسو وأدخل الكوميديا إلى حياتي، فدخلت إليها منذ أن سمعت أغنيته الأولى وبقيت مستعيناً بها على الشقاء وأولاد الحرام، إنه المعلم حواسو من الدرباسية.