جولة قصيرة في حينا الجميل ثلاث فئات من الشباب... في حينا المزروع بالآلام!
إذا ما سنحت لك الفرصة بزيارة حينا «ركن الدين» القائم على سفوح قاسيون، ووقفت مع أحد القاطنين هناك، فسيتناهى إلى مسمعك أن أحد سكان الحي مات إثر جرعة زائدة من المخدرات، وآخر قتل في اشتباك بين تجّارها، بينما وجد ثالثٌ مقتولاً في بيته، أثناء محاولة أحدهم سرقة ما لديه، وغالباً ما يكون هؤلاء من جيل الشباب، الذين للأسف، امتهنوا السرقة وتجارة المخدرات مهنةً لتحصيل عيشهم، في هذا الواقع المؤلم.
ولن تغيب عن عينيك جموع العاطلين عن العمل المتزاحمين على مداخل الحي، يتأمل بعضهم الحياة التي لم يرَ منها إلا البؤس، ويقف بعضهم الآخر فرادى، كلّ بانتظار محبوبته، التي لاتلبث أن تطرده، لعطالته عن العمل، ليدخل حينها بأزمة عاطفية سببها الأساسي وضعه المادي، مما سيزيد الأمور تعقيداً وانحرافاً، حيث سيساهم هذا بتفعيل دور بائعي المخدرات، ويعطيهم فرصة جيدة لـ«تطبيق» زبون جديد، وإضافة مدمن آخر إلى اللائحة، إذ سيلجأ هذا الشاب للاستعانة بعقاقير «النسيان» بغية الانتقال من حزنه إلى ما يشبه الفرح، أو إلى ما يسميه المدمنون «الزهزهة»، وبطبيعة الحال ستكون هذه العقاقير مجانية في البدء، ولكن هذا لن يدوم طويلا، فبمجرد أن يدمنها ستصبح مدفوعةً بل وغالية الثمن، وبما أن العاشق الخاسر عاطل عن العمل، كما هو حال جميع من حوله، فإنه لن يستطيع الاستدانة من أحد، وإذا استطاع، فلمرّات محدودة، فيضطر بعد ذلك إلى امتهان السرقة للحصول على ثمن ما يريده من الحشيشة وغيرها، أو سينتقل إلى الانخراط في صفوف مروجيها لتغطية نفقاته، المتضخمة يوماً بعد يوم.
وخلال ذلك كله، فغالباً ما ستطرق أذنيك أصوات زمامير يليها «تشفيط»، في إشارة إلى مأساة ما كبيرة حدثت في شارع قريب، فكثيراً ما يصدم أحد السائقين «المتهورين»، واحداً من عابري السبيل، أو سيارة أخرى في أحيان أقل، وعليه فإنه إما هرب بالسيارة المستأجرة «بالدين»، ليقع في دين أكبر عند إصلاح ما تعرضت له السيارة، وإما أنه اقتيد إلى المخفر القريب، بانتظار اقتياده إلى المحكمة، ثم إلى وإلى ما لا نهاية.
وحين تتأمل قليلاً، ستدرك أن أسباب انحراف أو طيش هؤلاء الشبان، قد بدأت بالتراكم منذ اضطرارهم للابتعاد عن المدرسة، بغية تحسين وضعهم المعيشي السيئ، ثم دخولهم سوق العمل لتأمين ضرورات الحياة القاسية، مما يفقدهم عند بلوغهم سن الرشد لكثير من صفات الشباب المتعلم، الذي حظي بشيء من التربية التعليمية والأخلاقية. وعليه يمكنك الاستنتاج بأن الفقر، هو أصل كل تلك الحقائق المرة، وهو المسبب الأساسي لمعاناة الشباب في وطننا.
وعليك أن تعلم أن عطالة هؤلاء الشبان عن العمل لا يكمن فقط بضعف مستواهم العلمي، فمن المعروف أن المجتمع يحتاج جميع أبنائه، ابتداء من الطبيب والمهندس مروراً بالنجار والبلاط والحداد، وانتهاءً بعامل التنظيف وحارس المبنى..الخ.
إن هذا الحي مثالٌ، يشبه الكثير من الأحياء المنتشرة على امتداد الوطن، فمتى سيجد شباب هذا الوطن المعطاء بديلاً حقيقياً عن هذه المهن المنحرفة؟! علماً أنهم جابوا كل جوانب مدينتهم بحثاً عن فرصة عمل، يؤمنون عبرها مستقبلهم؟! ولكن باءت كل مساعيهم بالفشل، وبعد هذا، ليس القصد هنا تبرير أعمال هؤلاء الشباب، فخطؤهم يستوجب المحاسبة، ولكنَّ صفوة القول: إن للخطأ الذي يرتكبه شبابنا أسبابا، أهمها الفقر الذي يعانونه، والذي أتى وليداً للسياسات الاقتصادية الفاشلة التي يمارسها أصحاب الشأن، فهذه الممارسات لم تؤمّن لهذا الشعب سوى الفقر، بينما نراها أمنت للقلّة القليلة من الناس الغنى، لذلك فإنه يجب البدء بمحاسبة هؤلاء ودون استثناء.
فماذا تفعل مؤسساتنا ومجالسنا المنتخبة، للنهوض بهذا المجتمع، وما الذي تفعله بهذا الجيل؟! هل سنواجه أعداءنا بشاب اغتيلت حقوقه منذ الصغر؟! وهل هكذا يبنى الشباب الذين سيتكفل ببناء غد الوطن ؟!