استملاك بساتين حمص.. مدينة فاضلة لشعب جائع!!
لم يعد مقبولاً ما يسلكه بعض المسؤولين والإداريين في بلدنا الذين جعلوا من كراسيهم سلطاناً على العباد، ومن مكاتبهم مزارع شخصية لهم يصدرون قراراتهم دون أي خوف أو خجل أو احترام لأبسط المبادئ الإنسانية والأخلاقية والقانونية. والأخطر من ذلك أن يصل الأمر ببعضهم إلى نقل ملكيات خاصة لمواطنين بموجب صكوك ودفاتر رسمية من جهات عدة إلى ملكية عامة مستباحة لهذا المسؤول أو ذاك له حق التصرف بها كما يشاء.. هكذا وبكل سهولة نرضخ لقانونهم الذي أصبح يصدر حسب المزاج، لنجد أنفسنا في نهاية المطاف عراة لانملك شيئاً في هذا الوطن سوى الجلد والعظم!!.
ولعل ما جرى في حمص لأهالي حي «القرابيص» و«الغوطة» المطلين على شارع نزار قباني وشارع الأسعدية وشارع بدر الدين الحامد، وسكان البساتين ومزارعيها، وسكان حارة الصخر والبالغ عددهم حوالي/1500/ نسمة، تنطبق عليهم تلك المقدمة بعد أن تم استملاك جزء كبير من أراضيهم والمقدرة مساحتها بـ/460/ دونم بموجب قرار الاستملاك رقم/5047/ لعام 1994 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء، بحجة إنشاء (حديقة الشعب) كما سميت، وهي في الحقيقة ضد الشعب لأن تعريف السيد محافظ حمص لها بأنها: «مشروع حلم حمص» يثير الكثير من التساؤلات والشك والاستغراب، فكما يقول: (إنه حلم يحقق كافة طموحات ورغبات وحاجات وأحلام أبناء حمص جميعاً، وإن الحلم لايرتبط بتوفر المال أو بالتشريعات النافذة وليس له مدة زمنية أو تاريخ للتنفيذ).
فأين مصداقية المشروع من هذا التعريف؟
خرق فاضح للقانون
بعد أن أقام بعض الأهالي من مالكي ومستثمري المنطقة المذكورة دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري في دمشق لعدم شرعية الاستملاك حسب القانون/60/، صدر عن المحكمة العليا في مجلس الدولة قرارات قضائية تقضي بأن الاستملاك بموجب القرار /5047/ المذكور منعدم استناداً إلى القانون /60/ لعام 1979، والغريب في الأمر أن قرار المحكمة بحد ذاته فيه الكثير من الاختلاطات والغموض واللبس، فالمحكمة أقرت الاستملاك على أساس المرسوم التشريعي/20/ لعام1983، وهذا يعني أنه تجاوز لصلاحياتها، وهو بمثابة تعدٍّ على صلاحيات السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، وهذا يشكل خرقاً للقواعد الدستورية القائمة على أساس استقلال السلطات الثلاث حسب المادة /15/. وبالتالي يعتبر قرارها باطلاً لا تترتب عليه أية آثار أو مفاعيل، ولا يحتاج بطلانه إلى أي قرار، وما تزال الدعاوى مثارة أمام القضاء الإداري، إذ أن قرار أمر الحكم المنعدم يُحتج به من الكافة دون الحاجة إلى حكم قضائي يعلن معدوميته.
نقل الملكية بشكل تعسفي
لكي تكتمل اللعبة الاستباقية لدى أصحاب النفوذ والمعالي، تم اللجوء إلى القضاء وخرق القانون والمسارعة إلى انتزاع تلك الأراضي من أصحابها، وجعلوا كل شيء يمشي حسب مشيئتهم، كما فعل المجلس سابقاً عندما أوعز إلى السجل العقاري للقيام بنقل ملكية الأراضي نقلاً جبرياً لتصبح ملكية عامة، رغم أنها أراض خاصة مسجلة أصلاً في الطابو منذ أواسط القرن الماضي، مما حدا برئيس المكتب العقاري الثاني إلى تنفيذ ذلك امتثالاً لمذكرة صادرة إليه عن مجلس مدينة حمص برقم/10931/ تاريخ21/10/2004. والسؤال: هل بلغ استهتار مجلس المدينة وازدراؤه للقانون وللحقوق إلى هذا الحد، كما ذكر الأهالي في عريضتهم إلى رئيسة المجلس؟
الأنكى من هذا أن اللجان التي قامت بجرد المساكن في العقارات المذكورة لم تسجل كافة الساكنين، وإمعاناً في الكذب والتجني أعلن مسؤولو البلدية بأن الإجراءات تمت كاملة، وأن التعويضات قد صرفت للجميع، وهذه مغالطة وادعاء غير صحيح يرمي إلى طمس القضية، وقطع طريق تدخل أي جهة أو أشخاص في هذه القضية المليئة بالمخالفات والانتهاكات، خصوصاً بعد أن رفع المتضررون عريضة موقعة من /1298/ مواطناً طالهم التضرر من المشروع.
للتوضيح فقط
تنص المادة السابعة من قانون الاستملاك رقم/20/ لعام1983 على ما يلي:
«.. إن الاستملاك يصدر بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح الوزير المختص»، وقد جرى تعديل هذا النص بالترخيص لرئيس مجلس الوزراء بالاستملاك.
ولكن ومن خلال استقراء المرسوم التشريعي رقم/20/ لعام1983، نجد أن المشروع لم يمنح مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري صلاحية تعديل مراسيم الاستملاك التي تصدر عن السيد رئيس الجمهورية أو قرارات الاستملاك التي تصدر عن السيد رئيس مجلس الوزراء، لذا فالأمر يشمل البطلان، إن لم يكن الانعدام، لكل من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم/5047/ لعام 1994، لأنه استند إلى القانون /60/ لعام 1974، وأيضاً قراري محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا سابقتي الذكر.
اعتصام شعبي
اعتصم المتضررون من المشروع في 19/11/2007 مطالبين بإعادة أراضيهم لعدم شرعية استملاك الأرض من البلدية، وتم تشكيل وفد من المعتصمين لمقابلة المحافظ، وقد أكد أحد أعضاء الوفد أن المحافظ أصر على المضي في المشروع، مؤكداً أن الاعتصامات والتظاهر والدعاوى والعرائض لن تفيد أصحابها شيئاً، وبعد جدال بين الوفد والمحافظ خرجوا من البلدية دون أي اتفاق، ولكن المحافظ أنذرهم بالرد عن طريق الشرطة في المرة القادمة، وأنه لايعترف بالقانون! وينفذ مايريده دون مشورة أحد!! ومع ذلك تابع المعتصمون (أكثر من/400/ شاب وامرأة وطفل) إضرابهم، حيث تلا أحد المضربين نص العريضة الموجهة إلى رئيسة مجلس مدينة حمص، وترديد شعارات من أجل الحق في الحياة والعيش والسكن، ومن أهم ما جاء في العريضة: «مهما يكن فإننا نعلمكم بأن ما تستندون إليه وما ترتكزون عليه من إجراءات باطل، وما بني على باطل فهو باطل، إننا ننبهكم إلى أن مهام وواجبات مجلسكم هي حل مشاكل المدينة والتحسين المستمر لأحوالها وأوضاعها، لا إثارة المشاكل والأزمات بسلب أراضي المواطنين وطردهم منها قاطعين بذلك أرزاقهم، وهادمين بيوتهم، دون أن يخطر ببالكم ألا معنى للوطن في غياب المأوى والرزق، بل في غيابهما لاشيء سوى النقمة.
لمصلحة من هذا؟! للصالح العام؟! ومتى كان الصالح العام يقضي بقذف ألف وخمسمائة مواطن مابين رجل وامرأة وشيخ وطفل إلى قارعة الطريق؟؟ إننا ندعوكم إلى احترام القانون وحقوق المواطن، ونحذركم من مغبة المضي قدماً في سلبه وتشريده في وطنه».
وفي ختام العريضة أكد المواطنون على تشبثهم بأرضهم: (أرضنا استقبلتنا فور خروجنا من بطون أمهاتنا، كبرنا ونمت أبداننا من خيرها، مافتئنا نقلب تربتها، وعبق عرق أجدادنا يقتحم أنفاسنا، وهي المأوى والرزق والعمل، هي الوطن وكل معنى للوطن سواها ثرثرة فارغة، فإذا كنتم تريدونها، فتعالوا وخذوها ولكن مجبولة بدمائنا!)
إننا في قاسيون نضم صوتنا إلى مطالب الأهالي، وهي مطالب محقة، لأن قيام مدينة فاضلة كما يدعي بعض مسؤولي المحافظة ضرب من الخيال.. ونذكّر هؤلاء أن تنفيذ أي فكرة لا يقوم على حساب الفقراء والمعدمين.
إن الذي يثير المواطن، ويدفعه للاتجاه نحو تلك اللغة التي جاءت في خاتمة العريضة هو الظلم السافر، والظالم مهما كان مركزه يجب أن يحاسب بسرعة القصوى، وليس المواطن المغلوب على أمره المدفوع للتخلي عن وطنيته..
فلينتبه أولئك الذين يلعبون بالنار.. إذ لن تُحرق أصابعهم فقط، بل سيحترقون كلياً.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.