«عقدة» تحت الجِّسر.. وتزيين السلبيَّات!
تحت الجسر «جسر الرئيس»، أكبر العقد المرورية الدّالة على فشل السياسات المرورية، وأكثر «المعالم الدمشقية» إشارةً إلى تلكؤ محافظة دمشق في تنفيذ مشاريعها الإنشائية وإعادة التأهيل، ولربما كان أشدّ الأماكن ازدحاماً وتلوثاً وضجيجاً في المدينة كلها..
لا مهرب لسكان دمشق ومحيطها من عبورهم (ولو مرةً في اليوم) تحت الجسر، ما يعني معاناتهم «يومياً» من الفوضى العارمة المرابطة في المكان، بينما تتغنّى المحافظة وزميلاتها المختصة بما تبذله من جهود (مزيفة) هناك، تحت عناوين إعادة تأهيل المدينة وتنظيم عمليات المرور ونقل الركاب وما بينهما من ادعاءات (باطلة)، فالأرصفة الجديدة التي عول عليها المارة للابتعاد عن الشارع، تحوّلت إلى مسالك احتياطية يستغلها السائقون لبلوغ المخرج الضيق الذي تمّ اختياره معبراً لاستيعاب ما يزيد عن خمسين حافلة نقل صغيرة وكبيرة في الدقيقة (وطبعاً دون جدوى)، فتصاب الشوارع باستعصاء مروري شديد اللهجة وتغدو أقرب إلى معرض سيارات فاشل التنظيم، وتتعطل حركة السير وترتفع حرارة الحنق بين السائقين ورجال المرور، ويضيق صدر الناس داخل (المكاري) وخارجها، وياعيني على نهار يبدؤه المرء تحت الجسر!
نعم، لقد بدأت المحافظة، منذ ما يزيد على سنة كاملة، في تنظيم مواقف السرافيس، ولم تفلح جهودها حتى الآن في رسم معالم واضحة لهذا الحلم، ولا في وضع نظم رادعة للمتجرئين على تهديد تحقيقه (اللهم إلا الشاخصات الزرقاء الصغيرة)، لكنّ المشكلة إلى ازدياد ومامن حلٍّ حقيقي. فأين هي جهود المحافظة، وما هي ثمارها (إن وجدت)، وإلى متى الاتكاء على الخطط الارتجالية؟!
أما الجهود، فقد قامت المحافظة (غير مشكورة) بإعادة رصف طرقات ومواقف تحت الجسر متجاهلة أن المشكلة الحقيقية تكمن في مداخله ومخارجه، وقامت بإضافة مسارب جديدة بالغة الطول على جانبي الجسر في محاولة لتشتيت وتبديد الأزمة، وهذا الجهد لا يزيد عن كونه (تنفيساً شكلياً) يستخف بفطنة الناس ويزيد من هدر وقتهم بلا طائل ولا فائدة، وبغية ترميم «سور» نهر بردى قامت المحافظة بهدم السور والأرصفة المحيطة به وماطلت في إعادة تهيئته قرابة الخمسة أشهر حتى الآن، فبات مظهر النهر مقززاً للمارة ومنفراً أو مضحكاً للسياح الذين يملؤون المكان (على اعتباره يحتضن المتحف الوطني والكثير من المعالم السياحية الهامة)، وقامت (ليتها لم تقم) بقطع جيل كامل من الأشجار (قرب المتحف).. الخ.
أما ثمار هذه الجهود فهي معدومة بالنسبة للمواطن المصاب بالإحباط اليومي المتجدد، وربما كانت إحدى ثمار هذه الأعمال (التأهيلية) تنبيه السكان إلى درجة العفونة التي أصابت مخيلة (مخططي) الطرقات و(حلاّلي) الأزمات وأشباههم، سواء في المحافظة أو في إدارة مرور دمشق، وبذلك اقتصرت الجهود على تزيين السلبيات لإلباسها رداء الإيجابيات، وكفى الله المؤمنين شر القتال!
للخروج من المآزق المرورية عموماً يلزمنا الكثير من المبدعين لأن التراكم سيد الأحكام، أما للخلاص من مأزق تحت الجسر فلابد «بدايةً» من إعادة النظر بموقع المدخل الضيق وإبعاده عن المخرج الأضيق، وهنا يمكن (مثلاً) اعتماد الطريق الفرعي المهمش (قبالة التكية السليمانية)، مما يوزّع الازدحام ويخفّف من وطأته دون حاجة للعبور في الشارع القادم من ساحة الأمويين، ولابد أيضاً من فصل المواقف المخصصة للحافلات الكبيرة عن تلك المخصصة للسرافيس الصغيرة، بما يسهل عملية مرور كل منهما ويخفف من الفوضى والاستعصاءات المرورية، ولغير ذلك لابد من عصر الأدمغة للخروج بتصوّر دائم ونهائي للمسارب المرورية ووضع منصفات ثابتة لا يمكن الالتفاف عليها، بما يمنع التجاوزات التي أصبحت متعةً يمارسها السائقون على مدار الساعة، أو لابد من إيقاف النهج المواصلاتي الحديث والعودة إلى عصر الأحصنة والسير على الأقدام وانتهينا، لأن الحقيقة الوحيدة في بلدنا تقول: «لقد ناديت لو أسمعت حياً... لكن، لا حياة لمن تنادي»!.