كيف أصبحت شيوعياً؟

في يوم الأحد 17/12/1967، السادس عشر من رمضان، أقامت محافظة دير الزور احتفالها بعيد الفلاحين في قرية «أبو حمام»، هناك، رأيته لأول مرة، عن بعد، مع مجموعة من الرفاق، كنت بين زملائي، معلمي إعدادية بلدة «البصيرة»، ومعنا طلابنا، وبعد يومين لقيته قرب إعدادية «البصيرة»، صافحني قائلا: كلفتني منظمة الدير، أن أبلغك أن صلتك بالحزب ستكون عن طريقي، سأراك ظهر الخميس القادم، ودس في يدي ظرفاً فيه صحيفة الحزب، مع عبارة «إلى اللقاء».

اليوم، وبعد أربعين عاما بالتمام والكمال، ألتقي به لأقول له:

الرفيق المحترم حسين الشيخ، كيف أصبحت شيوعياً؟

ما أروع هذا السؤال! وما أبلغ أثره على النفس، خاصة عندما يوجه إلى شيوعي طاعن في السن، ليتذكر ما مضى من عشرات السنين، ويتحدث كيف ومتى ولماذا انتسب إلى الحزب الشيوعي، واختار الشيوعية مبدأً له، في نضاله ضد استغلال الإنسان للإنسان، ومن أجل تحقيق الاشتراكية، حلم الفقراء وكل المعذبين في الأرض..

أنا من مواليد عام 1937 في قرية «موحسن» التابعة لمحافظة دير الزور، والدي فلاحٌ بسيط، كنا نعيش على الزراعة وتربية الماشية، نعتمد وسائل إنتاج بدائية في عملنا، «المحراث الروماني، والقرّاف والنورج والمذراة الخشبية»، فنحن عشائر نصف رحل، نستقر صيفاً على ضفاف نهر الفرات، ونرتحل شتاءً في أرجاء البادية، طلباً للماء والكلأ.

درست المرحلة الابتدائية في القرية، والإعدادية في مدينة الدير، وتخرجت معلماً عام 1960 من دار المعلمين في حلب، وعلّمت في قرى الحسكة ودير الزور.

انتسبت إلى الحزب الشيوعي السوري عام 1955، وما شدني ورغّبني إلى ذلك، موقف وتضامن الشيوعيين في دير الزور مع فلاحي قرية «موحسن» في انتفاضتهم المشهورة عام 1953، التي ساهمتُ فيها، لاسترداد أراضيهم المغتصبة من إقطاعيٍ من آل هنيدي، مدعومٍ من الحكومة بقوى الدرك والهجانة. وبالفعل، استطاع الفلاحون أن يحصلوا على الأرض بفضل انتفاضتهم، ودعم ومساعدة الشيوعيين لهم، الأمر الذي ترك أثراً وانطباعاً جيداً في أذهان الفلاحين، عن الشيوعية والشيوعيين. وهكذا اكتسبت «موحسن» لقب «موسكو الصغرى» كأول قرية ثارت على الإقطاع واستردت الأرض، وأول قرية دخلها الحزب الشيوعي، في محافظة ديرالزور. وأذكر من المحامين الشيوعيين، الذين ساعدوا الفلاحين في قضية الأرض، ودافعوا عنهم في المحاكم: عبد الحميد الحافظ، وياسين الحافظ، والصديق الشيخ عطية. وأذكر المعلمين الشيوعيين الذين احتضنوا وساعدوا طلاب القرية والمعلمين الآخرين، وكنت من هؤلاء الشيوعيين، شيوعيي الخمسينات، إبان المد الثوري العالمي، والتطور الديمقراطي التقدمي في سورية.

تعلمت في الحزب حب الوطن، والإخلاص لجماهير الكادحين، والالتزام بمبادئ الشيوعية، في الفكر والسياسة والتنظيم. ولكوني شيوعياً، تعرضت للتعذيب عام 1959 على يد المباحث في حلب، وأُبعدتُ عن التعليم، وعانيت من تشهير التكفيريين بسمعتي، وكذلك من ضغوط الأهل والأقارب، وكان أحدهم يقول لي: «ما أروعك لو ما أنت شيوعي»، فأرد عليه: «لو ما أنا شيوعي، لما كنت رائعاً».

لحزبنا مآثره الجليلة في النضال الوطني والطبقي والأممي، وهي كثيرة ومعروفة، ولا مجال لذكرها الآن، وأنا أعتز بها واستمد منها معنوياتي وثقتي بالمستقبل، وقد كان المرجو من الحزب أن يتابع مسيرته الكفاحية، وأن يضيف انتصارات ونجاحات جديدة إلى تاريخه، إلا أن الانقسامات والتجاذبات والتناحرات، التي ألمت به منذ العام 1970, وما زالت آثارها مستمرة، عطلت وأوقفت هذه المسيرة، وأضعفت الحزب، وحالت دون قيامه بواجباته النضالية، فتلاشت ثقة الجماهير به، فابتعدت عنه. وأنا كشيوعي قديم، وفي هذا العمر، أتوجه بصادق الاحترام والتقدير إلى الرفاق في التنظيمات الشيوعية الأخرى وخارجها، داعياً الجميع للعمل الجدي لتوحيد حزبهم، لضرورة ذلك في بناء الوحدة الوطنية الصلبة، لمقاومة وإفشال التآمر الامبريالي الأمريكي والصهيوني على المنطقة والبلاد، ولاجتثاث عملائهم القابعين في الداخل، الذين يعملون «خفيةً»، بالوكالة عن أسيادهم، لتخريب الاقتصاد الوطني، ونهب لقمة الشعب، وإذلال وإفقار الجماهير، ونشر الفوضى والفساد، ودفع البلاد إلى الهاوية.

كما أتوجه بشكل خاص، إلى الرفاق القدامى الذين مازالوا في موقع المسؤولية، ولهم دور في صنع القرار، وأدعوهم إلى الكف عن الغلو والمكابرة، والمصالح الشخصية الضيقة، والمساهمة شخصياً في إنجاز الوحدة من تحت، لأنها عملية ديمقراطية بامتياز، وأن يختموا حياتهم بالأفضل، ويشهدوا، وهم أحياءٌ، معافاة حزبهم، وعودته للجماهير، وممارسة نشاطه الفكري والسياسي في حياة البلاد.