( عَ اليمين لو سمحت)!
يتعرض القادم إلى دمشق عبر بوابتها الشمالية (كراجات حرستا) إلى كثير من المفاجآت، فما إن يترجل من الحافلة التي أوصلته حتى يشعر بثقل الهواء المشبع برائحة المازوت، ويتأزم وضعه النفسي بمجرد أن يستنشق أول الأنفاس الدمشقية، المدعومة بأصوات الزمامير الطائشة والمترافقة مع نداءات السائقين (تكسي.. تكسي) وكأنه لا يرى!
وإذا كان الزائر ممن يعرفون طريقهم في الشام، فإنه قد (ينفد) من شراهة سائقي (التكاسي)، ليقع ضحية بلادة سائقي (المكاري) الذين يشيرون للجميع (رغم خلو حافلاتهم من أي شيء) بأنهم خارج الخدمة، وإذا كان من أصحاب الحظ السعيد فسيتحقق دعاء أمه (الله يسهلّك) ويجد من يقبل به زبوناً بعد عدد من المحاولات، ويبدأ حلمه بالوصول بالتحقق..
أما من لايسعفه حظه، فإنه يعود لينصاع (مع من يجهلون طريقهم في الشام) إلى شراسة أصحاب المركبات (الصفر) وحبهم الشديد للزبائن وأموالهم.
لكن، قبل أن يخرج الزائر من الكراجات، ستبدأ دقّات قلبه بالتسارع، فالمشاهد المرورية مرعبة، وانبعاثات الأدخنة المضادة للبشر تجثم فوق المكان كالغيوم الحامضية قرب مفاعل نووي، والحافلات المعطلة المركونة ـ وتتزايد ـ في معظم زوايا الكراج/المدخل، تتربص للعابرين كبوم ينذر بالخراب، والإهمال هو سيد الموقف المروري، وهو السمة الأساسية لسلوك رجال المرور في هذه الزاوية من العالم.
وفي رحلته (التكساوية) لابد سيتعرض الراكب لأحدى احتيالات السائقين، والمتعارف عليها بينهم لتأمين الزيادة على أجرة سياراتهم، لعل أبسطها عمدُهم إلى إطفاء العداد بحجّة أنه (منزوع)، يليها (تطنيش) بعضهم عن إعادة تشغيله، وصولاً إلى أصعب أنواع الاحتيال وهي؛ تباطؤ (المعلم) في إيصال الزبون إلى مقصده، متذرعاً بأن التأني سبيل السلامة، سائلاً ضحيته: (ليش مستعجل.. وراك شي؟!).
نعم، ورائي كثير من الأشياء! أولاً، لدي ذاك السؤال الكبير عن مدى ملاءمة هكذا كراج ليكون مدخلاً لمدينة توغل جذورها في التاريخ، وتستعد لتتويجها عروساً ثقافية بعد أسابيع؟!
ثانياً، لدي ذلك الشجن العظيم حول تسيير أمور الزائرين للعاصمة، فهم (حتماً) ليسوا هنا لإضاعة الوقت والتزين ببهاء التلوث، وأغلب الظن أنهم هنا بغية (تمشية) معاملة ما، في إحدى مؤسسات الدولة أو دوائرها المركزية؟!
ثالثاً، إلى متى ستتحكم أهواء السائقين بواقع المواصلات المتأزم في كل المدن السورية، خاصةً دمشق، فالذي يرى هذا الكمّ الهائل من السيارات المنتظرة قرب (مهبط) البولمانات، يعتقد بأن شوارع المدينة تنعم بهناء مواصلاتي كبير، أدى إلى تحرر السائقين من واجباتهم تجاه المواطنين، ودفعهم إلى هذا (النبع) البشري؟!
وأخيراً، فليمارس رجال المرور عملهم المناط بهم بشكل صحيح، وليترفّع السائقون عن جشعهم قليلاً، صحيح.. أعلم أنكم تركضون ولا تلحقون، لكنَّ هذه حالنا كلّنا!..
يكفينا إهمالاً أرجوكم، (والله ما عاد حدا مستحمل.. ملّينا ياه.. نزلني عَ اليمين لو سمحت)!..