العز للرز والبرغل ما شنق حالو؟!
إنه المثل الشعبي الذي كنا نردده منذ الصغر «العز للرز والبرغل شنق حالو»، ولكنه اليوم أصبح معكوساً،
فسابقاً كان الرز هو الأغلى ومأكول الخواجات والأغنياء، وكان البرغل هو المأكول الشعبي الرخيص، والأكثر انتشاراً، وكنا نسمع دائماً أن أكلة الفقير هي المجدّرة (البرغل والعدس) أو الشنكليش (السوركي)، ولكن للأسف، أوصلتنا هذه الحكومة وبحنكة رائد الإصلاح الاقتصادي، السيد الدردري، إلى وقت أصبح للرز فيه عز أكبر، ولكن البرغل رفض الخنوع، ورفض أن «يشنق حالو» وهو ابن البلد الأصيل، وليس مستورداً، فانتفض وأصبح منافساً للرز الأجنبي، فإن «لي بينغ» الصيني ليس أفضل من «أبو علي» السوري، وأما قصة القمح الاستراتيجي الذي كان لدينا منه احتياطياً لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، أضاعه تخطيط الفريق الاقتصادي الرهيب، الذي أباح للتجار بيع قمحنا وغذائنا، وأصبح غذاؤنا الذاتي مهدداً، ولم يبق لدينا احتياطيُّ قمحٍ سوى لعدة شهور!!
وجاءت الطبيعة القاسية والجفاف هذا العام لتكمل مصيبتنا، فوضع المواطن السوري يده على قلبه وأصبح الخبز بالتسجيل والهوية وبالدور، وكل يوم بيوم، وأما قصة الشنكليش وتجاوزه سعره 400 ل.س للكغ، فتذكّرني بذلك الشاعر الشعبي المرحوم حمد الجوبة، المعروف في الساحل عندما وصفه بقوله «لئن شبعت كلاب الحي لحماً سيبقى خير زادي الشنكليش» وكان يقصد ذلك الشاعر يومها أنه لا يهتم إذا شبعت كلاب الأغنياء لحماً لأن الشنكليش موجود وهو خندق دفاعنا الأخير ضد الجوع.
إنما أوصلتنا سياسة منقذنا الاقتصادي السيد الدردري، لأيامٍ صرنا فيها نحلم حتى بالشنكليش!! ولهذا كانت انتفاضة ابن البلد الأصيل، البرغل، شيئاً طبيعياً، فصحيح أن الرز لا زال محلقاً، ولكن البرغل نافسه بجداره، فإذا حسبنا أجور نقل الرز من الصين أو تايلند إلى سورية، وحذفناها من سعره، فستعرفون أن العز ليس للرز فقط، بل إن البرغل زاد عزه وانتفض و«ما» شنق حالو!