إلى روح الشهيد صادق عثمان
كنت قد سمعت اسمك عرضاً من قبل، ولكنني لم أكن أعرفك حق المعرفة قبل أن تعود إلى تراب سورية بسواعد رجال المقاومة الإسلامية اللبنانية.
كنت أعرف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأعرف أسماء الكثير من الشهداء السوريين والعرب في صفوف هذا التنظيم العريق، إلا أنها معرفة كان ينقصها أن أشارك في تشييع جثمان الشاب الريفي السوري البطل صادق عثمان الذي ترك قريته وأسرته ليلتحق بصفوف جبهة العزة والكرامة، جبهة الجنوب اللبناني المنتصر أبداً.
عرفت لماذا كنت أنت وكل رفاقك الذين التحقوا بالمقاومة الفلسطينية منسيين خلال السنوات الأخيرة، وعرفت لماذا ابتعدت المسافة خلال السنوات الماضية بين أبناء هذا الوطن وفلسطين.. عرفت كل ذلك يوم شيعناك إلى قريتك في الرابع والعشرين من تموز ذكرى معركة ميسلون، ولست أعرف ما إذا كان ذلك التوافق في التاريخ بين تشييع جثامين الشهداء في كل أرجاء سورية وبين ذكرى الشهيد القائد يوسف العظمة مصادفةً، أم أنه لا توجد مصادفات كما قال قائد المقاومة حسن نصر الله.
كنتم منسيين، وكنا نبتعد عن فلسطين، لأن بعض من شاركوا في تشييعك، كانوا يتبارون في إظهار وطنيتهم وتقديسهم للشهادة ولتراب فلسطين، وكلما تباروا أكثر كنت تبتعد أنت وكل رفاقك قسراً عن الذاكرة.
كان بعض الحاضرين يتسابقون إلى أضواء الإعلام والسلطة، والبعض الآخر يتنافسون في الفئوية والعصبوية، وكان أهل منطقتك يرفعون رؤوسهم اعتزازاً بك، وكان أهلك يحيون ذكراك ألماً ممزوجاً بالكثير من الفخر، أما أنا فكنت أمشي خلف جثمانك الطيب وأفكر بأشياء مختلفةٍ تماماً.
كنت أفكر بنا جميعاً نحن الذين جئنا لنشيعك وأنت العملاق الوحيد فينا، وأفكر أن شرف المسير خلف جثمانك لا يستحقه الكثير من الذين جاؤوا تكريماً لذكراك.
كنت أفكر أن أحداً منا لم يدرك يوماً ما معنى أن يترك شخص أسرته وقريته وحياته لا لشيء إلا لأنه كان يحلم بحياة أفضل، ووطن أفضل، ويحلم بفلسطين كل فلسطين، وكانت كل هذه الأحلام تريد أن تعبر البحر إلى النصر، إلا أن مراكبنا كانت أصغر بكثير من حجم هذه الأحلام. وفكرت أيضاً أن أقبل عظامك التي ضمها تراب الجليل الفلسطيني ثلاثة عشر عاماً.
لا يمكن لأي تشييع أن يكون لائقاً بك وبكل رفاقك يا صادق، ولا يمكن أن نقوم بما يوازي سخاءكم وكرمكم أيها العظماء.
إن التكريم الوحيد اللائق بكم، هو المزيد من الرصاص الذي يجب أن يلاحق الصهاينة أينما وجدوا، لكي تبقى أرواحكم تطاردهم في كل زاوية من أرضنا.. كل أرضنا.
فهل نحن أهلٌ لتكريم كهذا، أم أن مراكبنا لا تزال أصغر وأصغر من كل أحلام الشهداء؟..
■ نجوان عيسى