السياسات الحكومية.. ومعاناة الفلاحين
على وقع عجز الموازنة العامة للدولة والتي فاقت 222 مليار ل.س لعام 2009، ومع عقد النية لإعادة تكرار مضمون الخطة العاشرة، ولكن باسم جديد هو الخطة الحادية عشرة، ما تزال الحكومة تتخبط بقراراتها، تصدر قراراً اليوم لتعود في اليوم التالي لتطلب المساعدة في تخفيفه أو استبداله بقرار آخر، حتى وكأن الحكومة حكومتان، وكل وزارة فيها لها أكثر من وزير يوقع بريده دونما قراءة، ليحاكيه مجلس الوزراء في التوقيع.. فقرار وزير الصحة حول تعرفة الأطباء عدل بعد أقل من أسبوع، وهاهو قرار وزارة الاقتصاد الذي يحمل الرقم /3071/تاريخ 22/12/2009/ القاضي باستيفاء ضميمة على مستوردات القطاع الخاص من مادتي الذرة الصفراء والشعير بمبلغ 3500 ل.س للطن الواحد، يعاد النظر به بناء على طلب من رئاسة مجلس الوزراء، وذلك بعقد اجتماع مشترك لوزارتي الزراعة والاقتصاد لدراسة آثاره على قطاع الثروة الحيوانية والصناعات الغذائية..
إن هذا التخبط والارتباك لا يبشران بمستقبل جيد في إدارة العام الأخير من الخطة الخمسية العاشرة، وهذا ليس بغريب، فقد سبق للحكومة أن وعدت باستلام إنتاج الفلاحين من الذرة الصفراء والشعير وبأسعار مدعومة، إلا أنها تراجعت عن قرارها قبل موسم الحصاد، فكسد إنتاج الفلاحين تزامناً مع فتح باب الاستيراد على مصراعيه. وقبلها كان للقمح قصة مشابهة حيث رفضت استلام القمح من منتجيه بحجج واهية، لتقوم بعد ذلك بفتح باب التصدير أيضاً! وفي كلتا الحالتين كان كبار التجار هم المستفيدين.
والآن وقد غرقت السوق المحلية بالذرة الصفراء، سواء بما كان موجوداً لدى المؤسسة العامة للأعلاف أو مثله لدى كبار التجار الذين كدسوا المواد العلفية في مخازنهم لأن العصفورة أخبرتهم منذ أشهر بمضمون القرار، يأتي قرار وزارة الاقتصاد الوارد مضمونه أعلاه، فإن كان يهدف إلى تشجيع المزارعين على زراعة الذرة والشعير ويسعى لحماية الإنتاج المحلي من هاتين المادتين بوجه منافسة المنتجات الخارجية كما يقول المدير العام لمؤسسة الأعلاف السيد أحمد الشيخ، فهذا الكلام صحيح فيما لو كان الإنتاج المحلي من هذه المحاصيل الزراعية يفي بحاجة البلاد، ولكن أن يكون إنتاجنا من الذرة الصفراء لا يتجاوز 150 ألف طن، ومن الشعير 800 ألف طن، والمستوردات /3/مليون طن، وندعي أن هذا الإجراء جاء لحماية الإنتاج المحلي، فإن الأمر لا يستقيم مع تلك المعطيات، ولا شك أن دعم الزراعة والمزارعين أمر ضروري وهو يساعد على تثبيت الفلاحين في قراهم ويساهم مساهمة فعالة بصمود وقوة الاقتصاد الوطني، ولكننا نسأل هنا: ما مصير مربي الثروة الحيوانية في ظل الدعم الخجول الذي تقدمه الدولة؟ فمقدار الكمية المدعومة من الأعلاف للبقرة الواحدة شهرياً لا تكفيها لأكثر من يوم ونصف يوم آخر.. وأيضاً ما مصير تربية الدواجن والدجاج البياض وأسعار اللحوم والبيض مع ارتفاع طن العلف الواحد 3500 ل.س؟ وما هو مصير صناعة الزيوت وارتفاع أسعارها المضافة بسبب ذلك القرار؟ ما مصير مربي الأبقار الحلوب إذا كان سعر كغ الواحد من الحليب 15 ل.س وسعر كغ العلف 17 ل.س؟؟
لقد جاءت هذه الزيادة على سعر الذرة كارثة على مربي الأبقار الحلوب لأنها التهمت هامش ربحهم المتواضع أصلاً، وقد تجبرهم على التخلي عن أبقارهم وتوجيهها إلى أسواق اللحم المذبوح لتكون كارثة لم تكن بالحسبان تضاف إلى الوضع المتردي للثروة الحيوانية.. وفي حال كان الهدف هو دعم المزارعين وزيادة أسعار الذرة المحلية والشعير بمقدار 3500 ل.س للطن الواحد، فإن/17.5/ مليار تكفي لتغطية الدعم حسب الإنتاج المحلي إذا كانت الكمية المنتجة هي/1/ واحد مليون طن، وفي حال أن الكمية المستوردة من مادتي الذرة والشعير حوالي 3 مليون طن، فأي عجز سيغطي مبلغ 87.5 مليار ل.س الفائض عن دعم مزارعي الذرة والشعير؟ من الواضح أن الغاية ليست دعم الإنتاج المحلي، ومن الواضح أيضاً أن الحكومة لا تستطيع تحصيل هذه الإيرادات إلا على حساب المستهلك وخاصة مربي الثروة الحيوانية والصغار منهم تحديداً، لأن التاجر المستورد لهذه المواد سيضيف الكلفة المتأتية على سعر الذرة أو الشعير مع فوائد الرأسمال المضاف قبل طرحها بالسوق، ليدفع المستهلك ثمن الضميمة، وبذلك تزداد أرباح التاجر مع زيادة رأسماله المشغل، وقد ينتفي كل ما تقدم في حال كانت الغاية من فرض الضميمة على مستوردات القطاع الخاص من الذرة والشعير هي عودة الدولة إلى تنشيط تجارتها الخارجية والعمل على التحكم بالأسواق بعد تحرير التجارة ومسيرة الخصخصة.. يكون ذلك صحيحاً فقط إذا ما انسقنا وراء رغباتنا.