احذر «منتحلي الصفة والمزورين».. وقد لا ينفعك القضاء!
بعد عناء البحث، استطاع «س.ع» المتزوج حديثاً، أن يستأجر منزلاً العام الماضي في جديدة عرطوز ضمن بناء «على العظم» لا توجد فيه أي شقة مكسية أو مأهولة سوى المنزل الذي استأجره.
بداية لم يستفسر عن السبب الذي جعل هذا البناء فارغاً إلا تلك الشقة، لكن السبب بدأ يتكشف لاحقاً على حد تعبيره «عندما فرضت عليه تعليمات معينة يجب عليه تطبيقها ضمن منزله لقربه من منطقة حساسة» كما قيل له، وأخيراً، منعه من تجديد العقد.
تحكم بالملكية عبر الاستلاب
عندما خرج «س. ع» من المنزل لم يخسر شيئاً، فهو مستأجر في نهاية الأمر، وقد تكون جل خسارته عدم تجديد العقد وعذاب البحث عن منزل آخر، بينما بقي المنزل السابق الشقة الوحيدة المضاءة ضمن البناء الفارغ المثير للاستغراب، الذي قد يكون من الصعب تحكم صاحب العقار بملكه هناك رغم أن تلك المنطقة مصنفة «كآمنة».
«س.ع» لم يقل إن ماحدث معه مدبر أو مدروس، وكل ما أراده الاستقرار داخل منزل، في حين راح المحامي والخبير العقاري د. عمار يوسف للحديث عن قضايا تكون نهايتها استلاب المنزل من صاحبه في وضح النهار.
تشليح وتشبيح!
وقال يوسف «الصفة الغالبة في القضايا ضمن المحاكم حالياً، هي قضايا التزوير وخاصة العقارات، إضافة إلى قضية أخرى وهي (التشبيح) على أصحاب العقارات وابتزازهم، أو الاستيلاء على منازلهم وهم بداخلها دون القدرة على فعل أي شيء» على حد تعبيره.
يؤكد يوسف أن «المحاكم تعج بالقضايا من هذا النوع» موضحاً الأسلوب عبر طرحه مثالاً لقصة حقيقية حصلت في ضاحية قدسيا، عندما «دخل شخص ينتمي لجهة أمنية معينة، وادعى انتماءه لجهة أمنية أخرى، إلى منزل اشتراه صاحبه منذ 10 سنوات وسكن به منذ 6 سنوات، لكن منتحل الصفة طالبه بالخروج لأن الجهة الأمنية التي ينتمي إليها تريد المنزل».
مجرد خوف
لا يوجد أية ثغرة قانونية يستخدمها هؤلاء، «هو مجرد خوف الناس من الموضوع الأمني، كأن يكتب بهم تقرير كيدي».
يقول يوسف، متابعاً: «نتمنى من الجهات المعنية، أن ترد علينا عندما نقوم بمراجعتهم بخصوص منتحلي الصفة، ليؤكدوا أن هذا الشخص ليس عنصراً لديهم وأن يحققوا في القضية، وأن يحاسب في الجهة التي ينتمي إليها».
وكشف يوسف، في حديث له عبر إحدى الإذاعات، عن صعوبة يعاني منها المحامون بهذا النوع من القضايا، «لعدم القدرة على تحديد المرجعية التي يجب التوجه إليها لتتم معالجة القضية ومحاسبة المذنب»، مشيراً إلى أن حل هذه القضايا عبر المحاكم (بيتلفلف) بطريقة أو بأخرى كون القضية تدخل بعدة مناحي أخرى، بينما لن يحصل المواطن صاحب العقار على حقه الأمثل والمنطقي، وخاصة أن إجراءات المحاكم قد تصل لسنوات.
تزوير
يوسف يؤكد أن الأسلوب السابق ليس مرتبط بأية «ثغرة قانونية» بل هو من مفرزات الأزمة ويعتمد على «تخويف» الضحية فقط، في حين هناك أسلوب آخر يعتمد على «التزوير بأنواعه كلها».
ويشرح المحامي الأسلوب بقوله: «يعتمد متبعوا هذا الأسلوب على تزوير وكالات كاتب العدل والبطاقات الشخصية، التي قد تحمل ذات معلومات صاحب العقار الأصلي ذاتها، لكن بغير صورة، إضافة إلى عقود بتواقيع مزورة».
تفاصيل يجب الحذر منها
و»يقوم هؤلاء باقتحام منزل مغلق، وصاحبه خارج البلاد، بعد تزوير بيع باسم المالك الأساسي على أنهم اشتروا المنزل منه، ثم يقومون ببيع المنزل لشخص آخر» وفقاً ليوسف، حيث يدخل الأخير إلى المنزل باعتقاده أنه أصبح مالكاً للعقار قانونياً.
ويحصل المحتالون على بيانات صاحب العقار عبر «إخراج قيد، أو صورة هوية مالك المنزل التي يمكن الحصول عليها من أية جهة رسمية، ثم يزور عقد بيع من صاحب العقار الأصلي إلى المحتال ويتم تزوير توقيع المالك الأساسي، وعندها، يقتحم المحتال العقار ويسكنه، ثم يبيعه لشخص آخر».
يبيع المحتالون المنزل لشخص آخر بموجب عقد الشراء المزور باسم المالك الأصلي، رغم عدم حصول الفراغ الذي لايمكن أن يتم إلا بوجود المالك، أو قد يتم عبر بطاقة شخصية بصورة مزورة، لكن المثال الذي طرحه يوسف هو «بيع العقار بموجب عقد الشراء الذي يملكه المحتال، على أن تدفع الضحية جزءاً كبيراً من سعر المنزل ريثما يتم الفراغ، بعد إيهام الأخير بأن الفراغ سيتم بعد أيام، فيتم دفع أكثر من نصف السعر بعقد جديد بين المزور والضحية».
موظفون ومحامون متورطون!
يقول يوسف إن عدداً لا بأس به من القضايا بهذا الصدد منظور بها في المحاكم، وهناك «عصابات» تمتهن هذا الأسلوب بمساندة بعض «ضعاف النفوس «من الموظفين الحكوميين وغيرهم، الذين يساهمون بتزوير الوكالة والعقود أو البطاقات الشخصية»، مشيراً إلى وجود «محامين متورطين بهذا الصدد».
وتابع: «عندما يأتي صاحب المنزل الأساسي، ولو كان يملك مايثبت ملكية عقاره، ستستغرق قضية إثبات ملكيته بعد ما حدث من 10 إلى 15 عاماً، ولو كانت التواقيع مزورة، فمنذ دخول القضاء سيكون هناك بداية واستئناف وصلح (ذهاباً وإياباً)، عدا عن عطل المحاكم والاستمهال، بينما يكون الشخص الذي اشترى العقار من المحتالين يسكن المنزل، وصاحب المنزل الأساسي خارجه، والمحتالون خارج البلاد».
الحل إداري
ويضيف «القانون صعب التطبيق في المناطق غير الآمنة، لكن لا يوجد مبرر لعدم القدرة على تطبيقه في المناطق الآمنة، ولا يوجد ما يبرر سرقة العقارات تحت سلطة القانون بهذا الشكل، ولا يوجد ما يبرر انتحال صفة جهة أمنية للاستيلاء على عقار معين وعدم رد تلك الجهة عند مراجعتها للتحقق»، على حد تعبير يوسف.
الحل بالنسبة ليوسف هو: «اتخاذ خطوات إدارية سريعة لكشف موضوع التزوير وتسليم العقار فوراً للمالك الأساسي على هذا الأساس عبر إجراء إداري»، مشيراً إلى أن «القضاء قد يصل إلى نتيجة، لكن بعد وقت طويل وتكاليف مادية كبيرة، والمستفيد الوحيد هو من قام بعملية النصب والخاسر هو صاحب العقار».
وزارة العدل تعترف
وكانت وزارة العدل قد أصدرت تعميماً بداية العام الجاري تعترف به بورود العديد من الشكاوى حول تزوير بيع العقارات بناء على وكالات مزورة، وطلبت من القضاة في المحاكم المختصة بحث الدعوى العقارية المتعلقة بتثبيت بيوعها والمؤسسة على وكالات عدلية وذلك بمخاطبة كاتب العدل الذي نظمت لديه الوكالة.
حينها، أكد أستاذ كلية الحقوق بجامعة دمشق، محمد خير العكام، أن ظاهرة تزوير العقارات انتشرت نتيجة هجرة عدد كبير من السوريين إلى خارج البلاد، ما أدى إلى استباحتها من المزورين بشكل كبير، وبيع العقارات أحياناً لأكثر من شخص في الفترة نفسها وبوكالات متعددة.
وأشار إلى أن تعرض العديد من العدليات إلى التدمير والحرق أدى إلى فقدان عدد كبير من أصول الوكالات، معتبراً أن هذا السبب يعد من أهم الأسباب التي أدت إلى وجود ظاهرة تزوير العقارات.
فساد على حساب المعترين
مما سبق كله يتضح أن هناك ثغرات واختراقات يتمكن من خلالها المزورون والمتلاعبون أن يقوموا بعمليات التزوير والنصب والاحتيال على حساب المواطنين، كما يتضح بالمقابل أن من يقوم بذلك هم عصابات من الخبراء ومن المحسوبين وأصحاب النفوذ، مستعينين بأساليب الرشوة هنا وهناك في بعض المفاصل الحكومية، مع استغلال حالة الفلتان الحاصلة بنتيجة الحرب والأزمة مؤخراً.
كما يتضح أن كل ذلك ليس بعيداً عن التوصيف العام المتمثل بالفساد كظاهرة أصبحت متغولة بحياتنا اليومية، بظل قوانين تغدو عاجزة عن تحقيق العدالة بإجراءاتها الطويلة والمعقدة، كما بغياب شبه متعمد لأجهزة الرقابة والمتابعة الرسمية التي من مسؤولياتها صيانة حقوق المواطنين والمحافظة عليها، ما يساعد هذا الفساد بتعدد أشكاله وأنماطه وأساليبه على المزيد من التغول على حساب المواطنين، وخاصة الفقراء والمعترين الذين لا سند لهم ولا من يحمي حقوقهم، سواء حضروا أم غابوا.