الحكومة تصطاد صيادي الأسماك!
هل فكرت الحكومة عندما اتخذت قرار رفع أسعار المحروقات، بالآثار السلبية الاقتصادية، ومن ثم الاجتماعية والنفسية التي تتعرض لها الفئات الاجتماعية المنتجة جراء قرار كهذا؟ هل أخذت بعين الاعتبار أحوال الشرائح التي يتوقف مستوى دخلها على سعر المحروقات؟
إن من أكثر الفئات الاجتماعية التي تستحق الدعم في عملية إعادة توزيع الدعم، هي صيادو الأسماك والمزارعون ومربو الدواجن، لكن بكل أسف لم تُراعَ مصالح هؤلاء لا من قريب ولا من بعيد.
حسناً فعلت الحكومة عندما دعمت بعض الفئات الاجتماعية المنتجة بالسعر المدعوم للمازوت كالأفران، وزيادة تسعير النقل للسيارات العاملة على المازوت، رغم أنها جاءت قاصرة، أما زوارق صيد الأسماك على امتداد الساحل السوري التي يخضع محصولها لعملية العرض والطلب وللمنافسة القوية من الأسماك المستوردة، فلم تتلقَّ أي دعم، لذلك يبقى إنتاج الأسماك في الساحل السوري إما شعبياً ولا يغطّي كلفة إنتاجه، أو يجد تصريفه في الفنادق والمطاعم السورية، بين الحين والآخر.
الشاطئ في طرطوس
إن الشاطئ الممتد من الحميدية وعرب الشاطئ حتى أرواد وتخوم بانياس، أصبح أرضاً ملوثة وجرداء نتيجة الصيد الجائر على مر السنين، وخاصة مع استعمال وسائل وأدوات الصيد المؤذية كالديناميت، فهذا الأسلوب من الصيد قضى على البيوض والأسماك الصغيرة، ولوث قاع البحر، وألحق أضراراً بالغة بالإسفنج والأعشاب البحرية التي كانت مرتعاً خصباً لحضانة البيوض والأسماك الصغيرة، وبالتالي تم تدمير كل أنواع المخلوقات التي كانت تعيش قرب الشواطئ، ومنها السلاحف التي كانت بفعل التوازن البيئي الكائن البحري الذي تحمي شواطئنا من قناديل البحر، وهكذا اختفت الأسماك، والأعشاب البحرية انقرضت، والسلاحف والإسفنج لم تعد موجودة، وبقيت قناديل البحر السامة تجوب شواطئنا خلال فترات طويلة من الصيف، مما أجبر صيادي الأسماك، وخاصة في أرواد، على الصيد في أماكن أكثر عمقاً وأكثر بعداً، وبالتالي أكثر خطورة على حياتهم، ومنهم من بات يسافر بالبحر مسافة ساعتين ذهاباً وساعتين إياباً، ومعظم الأحيان ليلاً، وهذا هو مربط الفرس..
فحسب العريضة التي رفعها صيادو الأسماك في الساحل السوري إلى رئيس مجلس الوزراء، فإن أي زورق صيد يستهلك ما يقارب من / 20 – 40/ ليتر من المازوت يومياً، إضافة إلى ثمن مادة الطعم وأدوات الصيد، وكأية آلة أخرى من أعمال الصيانة والزيوت وغيرها، ومن تقاليد الصيد توزع الحصص على الشكل التالي:
للزورق حصة- وشباك الصيد حصة – وكل صياد عامل على متن الزورق حصة – وبعض الزوارق يصل عدد الحصص عليه إلى سبع، أي تتعايش على منتوج هذا الزورق سبع عائلات، وحسب إحصاء جمعية الصيادين يوجد (1850) زورقاً نظامياً، وعدد العاملين وسطيا على كل زورق لا يقل عن ثلاثة، وبالتالي يكون عدد العاملين في مجال الصيد البحري حوالي من 5500 – 6000 عامل، وهؤلاء يعيلون ما لايقل عن /5000/ عائلة، وهذا دخلهم الوحيد، لأن صياد السمك لا يعرف بعرف المهنة والمزاج إلا هذا العمل.
وحسب إحصائيات الجمعية فإن كمية المازوت المستهلكة يومياً للزوارق لا تقل عن 50000 ليتر من المازوت، وإذا ما قسمنا هذه الكمية على عدد الزوارق يكون قد تضرر كل صياد بين 450- 500 ل.س يومياً، وبالتالي يكون المبلغ الإجمالي الذي تضرر به الصيادون: 450 × 1850 = 832500 ل.س.
وإذا كان عدد أيام العمل السنوية بحدود 200 يوم، يكون الضرر السنوي على زوارق الصيد: 200 × 832500 =166500000 ل.س (مائة وستة وستون مليون وخمسمائة ألف) ليرة سورية لا غير .
يقول الصيادون: لو أن البحر يعطي غلاله لكان هناك تعويض عن خسائرنا، لكن الصيد قليل، والتعب والتكلفة كبيران، وهذا ما أوجد في نفوسنا خوفاً وقلقاً على مستقبلنا ومستقبل أولادنا، خاصة أنه لا توجد في جمعياتنا نظام نقابات الدولة من تقاعد وصندوق الضمان الاجتماعي وغيره، وجل مطالبنا إعطاؤنا مازوتاً بالسعر الذي سيوزع حسب قسائم المازوت المدعوم..
إن صيادي الأسماك من أكثر الفئات الاجتماعية المنتجة في سورية تعرضاً للمخاطر، وهذا ناشئ عن طبيعة البحر، والتعامل مع حيوانات بحرية تدمر أحياناً الشباك وتعرضهم إضافة للعوامل الجوية السيئة إلى أضرار جسيمة. وكم تكون خيبة الأمل كبيرة بعد السفر ليلاً لساعات طويلة ومن ثم العودة بلا صيد يذكر صباحاً..
فلم لايتم التنسيق مع جمعية صيادي الأسماك، وكل زورق يعمل ضمن الشروط النظامية، يمنح كمية من المازوت بالسعر المدعوم، حتى لا نجد طوابير أخرى من العاطلين عن العمل، ولا تزداد شريحة الفقراء في سورية.
فلنحمِ هذه الفئة النشيطة وذات الخبرة العالية التي تخاطر بحياتها من أجل لقمة العيش.