حدثَ عشية رفع الدعم.. وما خفي أعظم!!
شكّل رفع أسعار المازوت فرصة إضافية لبعض الفاسدين في جهاز الدولة لنهب المزيد من المال العام، فكونهم في دائرة القرار أو على محيطها، أعدّوا كل ما يلزم لسرقة ما تيسر لهم من المبالغ الكبيرة التي تشكل الفارق بين السعرين القديم والجديد للمازوت، وإضافتها إلى ثرواتهم الطائلة التي أصبح من الصعب تقدير حجمها وأرقامها، وهي التي ما فتئت تتضاعف في البنوك المحلية والخارجية، فيما الخزينة العامة تكاد تنضب، ويشكو القائمون عليها (الفريق الاقتصادي تحديداً) من قلة الموارد التي تغذيها، دون أن يقوموا بأي إجراء لاسترجاع ما تم ويتم نهبه جهاراً نهاراً من هؤلاء الناهبين المتنفذين، بل إن جل ما فعلوه في هذا الشأن هو أن اتخذوا من هذا النهب ذريعة دائمة لاتباع سياسات وإصدار قرارات أدت إلى تجويع الناس وضرب استقرارهم واستقرار البلاد الاجتماعي والاقتصادي..
وكمثال على ما يمكن أن يكون قد حدث قبيل رفع أسعار المازوت في مواقع كثيرة، وخصوصاً في المحافظات البعيدة، نورد الحادثة التالية التي جرت في ريف دمشق:
عشية رفع الدعم، وتحديداً في يوم الخميس 1 /5 /2008 وصل إلى محطة وقود (الرحيبة) التي تم إنشاؤها في هذه البلدة القلمونية لتزويد الكسارات المنقولة من (حفير) بالمازوت، أربعة صهاريج مازوت كاملة محملة بما مقداره 140599 ليتر، وفرغتها في خزانات المركز، ولم يتم توزيعها في ذلك اليوم، على اعتبار أن يوم الجمعة هو يوم عطلة ولا تعمل فيه الكسارات، ومساء الجمعة 2 /5/ 2008 تم رفع سعر المازوت بنسبة 375 %، وبطبيعة الحال فإن جهات التفتيش المعنية، كانت تقوم ليلة رفع الدعم بجولات شاملة لتحديد الكميات الموجودة في المحطات كافة وحصرها، وحساب فروقات السعر لصالح الخزينة، وقد طالت جولاتها مركز (الرحيبة) لإخضاعه للإجراء نفسه، لكن رجال التموين وجدوا المركز مقفلاً.. ولم يستطيعوا الاتصال بإدارته أو بأيٍّ من العاملين فيه.
وقد وصلتنا معلومات شبه مؤكدة، تفيد أن رجال التموين اتصلوا بمدير التموين في ريف دمشق السيد شفيق العزب لإخباره بما حدث معهم في مركز الرحيبة، فأجابهم: «من قال لكم أن تذهبوا إلى هناك؟؟ اتركوه وارجعوا فوراً»!!.
وفي يوم السبت 3 /5 /2008 باشر المركز توزيع كميات المازوت الكبيرة الموجودة في خزاناته بالسعر الجديد، أي بـ 25 ل.س، ولا أحد يعلم إلى جيب مَن ذهب الفارق الكبير بين السعرين، وكيف مرت القضية دون مساءلة أو محاسبة أحد؟!
ولعل من الأدلة البسيطة على ما جرى، هو أن سائقي صهاريج التزويد الذين ذهبوا إلى مركز الرحيبة يوم السبت ظهراً، أي بعد ارتفاع سعر المازوت، لتفريغ كميات إضافية من المازوت في خزانات المركز، انتظروا ساعات وساعات قبل إتمام ذلك، كون الخزانات كانت مليئة أصلاً بالمازوت والطلب غير كبير، وبالتأكيد فإن هؤلاء السائقين لن ينكروا هذه الحقيقة فيما لو قررت أية جهة سؤالهم عن ذلك..
هذا الموضوع نضعه برسم السلطات والجهات المختصة للتحقيق فيه، خصوصاً وأننا - في صحيفة قاسيون - لم نجد من يتعاون معنا بشكل جدي للوقوف على مزيد من التفاصيل والحيثيات والأرقام..
وفي العموم هناك العديد من الأسئلة يجب الإجابة عليها.. قبل أن يطوي الموضوع النسيان:
لمن ذهبت الأموال المنهوبة، ومن الذي تستر على هذه الجريمة الواضحة؟
ما الإجراءات التي اتخذها المفتشون بعد أن فشلوا في تقدير كميات المازوت الموجودة في مركز الرحيبة قبيل رفع أسعار المازوت، وبعد أن تلقوا أوامر العودة من مديرهم؟
ما مدى تورط مدير التموين في ريف دمشق بالجريمة، وهل الأخبار التي ترددت عن إقالته وملاحقته تتعلق بهذا الموضوع؟
لماذا أُنشئ مركز (الرحيبة) طالما أن هناك محطات موجودة في المنطقة، وتلبي طلب الكسارات، وهذه المحطات والمراكز خاضعة لرقابة صارمة.
لماذا فُرض على أصحاب الكسارات استجرار المازوت من هذا المركز بالذات؟
هذا وقد علمت قاسيون أن صهاريج هذا المركز أصبحت تصل إلى ما بعد منطقة أبو الشامات، أي إلى منطقة لا يتجاوز بعدها عن الحدود العراقية سوى ما يقارب 100 كم، ويقوم بعض سائقي هذه الصهاريج بملء خزانات في شاحنات عراقية وسورية بسعر 25.75، وتقوم هذه الشاحنات بتهريبه إلى العراق وبيعه بسعر 40 ليرة سورية على الأقل..
الجدير بالذكر أن هذا المركز يستجر 120 طلب مازوت شهرياً، في حين كانت تلك الكسارات تزود فقط بـ 35 طلباً من المحطات الموجودة في المنطقة، في وقت كان فيه استهلاك المازوت كبيراً جداً، أما الآن فالجميع يعلم انخفاض حجم الاستهلاك، ورغم ذلك فإن الطلب بازدياد، فما السر يا ترى؟
إننا، والجميع.. بانتظار التوضيح... والتحقيق..