مشاكل تسويق الحبوب في محافظة حماه..
كثر الحديث عن مشاكل تسويق الحبوب، وله أن يكثر، لأنه حديث اليوم والساعة بعد انتظار دام سنة، هو موسم حصاد القمح ولحظة أمل كل فلاح، وما يخبأ له من مفاجآت بدءاً بالعوامل الطبيعية وتأثيرها على زرعه، مروراً بالحصّادات وما إذا كانت ذات توجه وطني أو لا وطني.. هل تهرّب القمح مع التبن، أم أن غرابيلها تضيق لتساوي حال فلاحي بلادنا ليقع الطرفان في الخندق ذاته، لتحقيق مصلحة واحدة، وهل يوفق الفلاح بصاحب حصادة يردعه ضمير أو منظومة ما؟ هل يرضى بـ 600 أو 1000 ل.س
أجرة حصاد الدونم الواحد في ظل غياب تام لأية جهة رسمية، تحدد أجور الحصاد وجاهزية الحصادات. يصبح العرض والطلب هو الحكم: هل ينتج الدنم الواحد 300 كغ أو يصل إلى 700 كغ؟ هناك عوامل تحسم الأمر بدءاً بالحصادة، مروراً بالقبّان الإلكتروني في مراكز التسويق إذا تجاوز القمح مرحلة الفرز بسلام .
تجولت قاسيون في أكثر من مركز من مراكز تسويق الحبوب في محافظة حماة، والتقينا العديد من المزارعين وسائقي الجرارات، وقد أجمعت الآراء على مشكلتين رئيستين هما: تصنيف القمح ودرجته، إضافة إلى وزن الكمية المسوقة وشكوك السائقين بأنها أقل من تقديراتهم بكثير. معظم من تحدثنا معهم قالوا: إن الدرجة التي حصل عليها قمحهم هي درجة ثانية أو ثالثة، والفرق بين الدرجة الأولى والثانية 34 قرشاً لكل كيلو غرام .
السائق مصعب: «أنا أعمل على هذا الجرار منذ أكثر من عشر سنوات، وهناك إشارات وضعتها على المقطورة (تريلّة) بواسطتها أستطيع تحديد الوزن بشكل شبه دقيق، وأكثر من مرة للكمية المقدرة نفسها، أحصل على وزن مختلف تماماً! إذ يصل الفرق إلى أكثر من طن واحد، وإذا أردت أن تعرف السبب، اسأل أحد تجار القمح المتعاملين مع المشرفين على القبان الإلكتروني، فهم يأخذون من حنطة المزارع، ويعطونها للتجار، ولهم نصف ثمن الكمية المسروقة. العام الفائت اكتشفنا الأمر بالمصادفة. بعد أن أدخلت الحنطة إلى مركز تسويق الحبوب رفضوها، فقمت بوزنها على القبان الإلكتروني، فكانت 8 طن بعتها بعد عشرة أيام للتاجر وزنها 9.5 طن».
المزارع خالد علي: «أقسم بالله أن حنطتي خالية من الشوائب وصافية مثل الذهب، وأن جيراني اشتروا منها مونة البرغل لنقاوتها. كنت أتوقع أن يكون تصنيفها درجة أولى، كيف يعملون؟ وما السبب؟ لا أدري.. إن ما أدريه وما أعلمه أننا نخضع لحكم الملوك، فهناك ملك الحصادة، وملك الجرار، وملك باب الصوامع، وملك فرز القمح، وملك القبان، والطاسة ضايعة» .
انتقلنا إلى الضفة الأخرى، ونقلنا لهم ما سمعناه من الفلاحين .
عبد المجيد خالد، خبير ساحة (فرّاز): «نحن نعمل بخبرتنا، وهناك شروط لكل درجة كي نسجلها من شوائب وأجرام، من حصى وأتربة، وقرح القمح وكسره، خاصة أنه بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت مؤخراً، صارت نسبة الكسر كبيرة جداً، والأتربة ازدادت بشكل ملحوظ».
المهندس مثيل علي، محلل مخبري: «حوالي 90 % من العينات الأولية التي يقوم بتصنيفها وفرزها خبير الساحة تكون معتمدة، أما النتيجة النهائية فهي للتحليل المخبري. وبالنسبة لتبديل النوع من قاس إلى طري، فهي تخضع لشرط تجاوز نسبة القمح الطري في العينة المأخوذة أكثر من 15 % ضمن القمح القاسي، ونحن مستعدون لإعادة فرز وتحليل أية عينة والتعامل مع المراجعين بكل رحابة صدر، لأنه من حق كل مورّد عند شكوكه بنتيجة التحليل أن يقدم طلب بإعادة التحليل، وهذا ما حصل في مرات سابقة، والبعض ممن راجعوا استفادوا، ولكن هذا العام لم يراجعنا أحد» .
مدير صوامع قلعة المضيق (أفاميا) المهندس سيمون رحال: «معظم كميات القمح المسوقة صنفت درجة أولى، وأنه لا توجد حالة رفض واحدة من المركز لأي صنف من القمح، سواء أكان قاسياً أو طرياً، ونستلم القمح حتى لو كان فيه تفحم، إذ نقوم بغربلته وإزالة الشوائب حتى تصبح مقبولة».
ورداً على سؤال عن أن معظم الكميات المسوقة بعد سقوط الأمطار سجلت تحت تصنيف درجة ثانية أو ثالثة، نفى ذلك، وأضاف: «هذا العام مختلف تماماً عن العام الفائت، إذ كان الوضع فيما مضى استثنائياً، ونأمل ألا يتكرر، والآن لكل مزارع درجة أولى أو ثانية مع (بوسي)، وهناك توجيهات ملحة للتعامل بمنتهى الرعاية مع الفلاحين.. ولم يراجعنا أحد بهذا الخصوص، والعمل يسير بلا عقبات، وإذا كانت هناك أية حالة فإننا مستعدون لإعادة التحليل ليأخذ الفلاح حقه» .
ولدى الاطلاع على جدول شراء وواردات صوامع قلعة المضيق (أفاميا)، ومقارنتها مع عامي 2006 و2007 للتاريخ نفسه :
يتبين مدى سوء السياسة التسويقية التي اتبعت في العام الماضي ومدى الحيف والظلم الذي وقع على الفلاحين وعلى البلد برمته، وهذا لا يعني أن زيادة أسعار المحاصيل الزراعية كانت مجزية وتؤدي لرفع هذا الظلم عن الفلاحين .
وإذا كان هطل المطر الغزير بتاريخ 10 – 1162008 الذي روى 75 % من مساحة منطقة الغاب الذي تجاوز 100مم، أصاب حقول القمح بأضرار تجاوزت 25 % من إنتاج الموسم، فهو قد وفر كميات كبيرة من مياه السدود.
وعلى أثر هذا الهطول، قام الفلاحون بزراعة أراضيهم بالذرة البيضاء وبمساحات كبيرة، فكل أراضي القمح المحصودة زرعت بهذه المادة لأنها مقاومة للجفاف، وإن هذه المساحات تكفي الاستهلاك المحلي، وتوفر فائضاً تصديرياً فيما لو توفر لها سقاية مرة واحدة بعد شهر من بدء زراعتها، وعلى وزارة الزراعة التعاون مع وزارة الري والمسؤولين عن توزيع مياه السدود – سد الرستن – محردة – أفاميا – قصطون – العمل على تحقيق هذا الهدف لنوفر على البلد مشقة استيراد مادة الذرة البيضاء وأسعارها العالية حيث وصل سعرها 45 ل.س لنجنب الاقتصاد الوطني مزيداً من المآسي وانعكاساتها على المواطنين.