كاسك يا وطن
موجة ارتفاع الأسعار، خصوصاً مع رفع أسعار المحروقات، طالت مادة قد تعتبر كمالية، لكننا ندرك أنها ليست كذلك، وأنها سلعة استراتيجية، كما أنها تتعلق بشأن من شؤون الروح، فالمشروبات الروحية ارتفعت أسعارها رسمياً، خلافاً لبعض السلع الكمالية التي لا تعني سوى قلة مترفة من الناس.
مادة البيرة قفز سعر الزجاجة منها، ماركة «بردى» من إنتاج القطاع العام، من 22 ليرة إلى 29 ل.س، و37 مع ثمن الفارغة.
ليتر العرق «ريان» ارتفع من 145 ل.س وبحسب أسعار المؤسسة الاستهلاكية إلى 200، و (النصية) من 85 إلى 110، وهي تباع بأسعار أعلى خارج منافذ البيع الحكومية.
يعتقد عالم النفس المصري محمد شعلان أن لكل حضارة مادة هروبية، وتقطير الخمور شائع في سورية منذ العصور القديمة، واستهلاكها يتوافق مع النمط الحضاري الخاص ببلاد الشام، فالتحريم الاجتماعي يتساهل مع الشرب خاصة إذا كان سرياً، أكثر من تسامحه مع محظورات أخرى، والإقبال الكبير على شراء هذه المشروبات يظهر أنها مطلوبة ومجدية اقتصادياً، لكنها أيضاً تتميز بانخفاض أسعارها في سورية مقارنة بأماكن أخرى، وهذه الديمقراطية الكحولية كانت أحد الأشياء القليلة الباقية التي نستطيع أن نفخر بها، مع انسداد الآفاق على أكثر من مستوى لأعداد متزايدة من الناس، ومع هيمنة تقاليد لا تتيح أكثر من هذه الفسحة غير المؤذية، وفقدان الوعي الذي يجب أن يكون مرغوباً لدى من يرسمون لنا حياتنا يبدو محاصراً، فليس من مصلحة أحد أن نصحو، رغم أن السكر والتعتعة قد تجعلنا نقول أشياء نتحفظ في قولها عادة، لكن يظهر أنه قد تم تطوير نمط كحولي مسالم ينتهي بعد الإفراط بالشراب إلى النوم (طب).
لنشرب نخب هذا الوطن، لأنه ليس لدينا شيء آخر لنقوم به، فالنخب يتم تهميشها وتتحول إلى مجموعات من المتبطلين في البارات والمقاهي (مع أن الشرب المنزلي أوفر وأستر)، وهذا الوطن الذي ينأى أكثر فأكثر لم يعد يشبهنا، فإما أننا لم ندرك ما يتغير، وإما أن الطبخة مغشوشة.
لن يمنحنا كأسٌ شجاعةً لا نتحلى بها، لكنه قد يساهم في تقليل الخسائر، فالسكارى طيبون وتوفيقيون، عبثيون وقادرون على جعل الأمور سواء.