كيف أصبحت شيوعياً؟
ضيف عددنا اليوم هو الرفيق إبراهيم يوسف..
الرفيق المحترم أبو أكرم... نرحب بك أجمل ترحيب، ونسألك أن تحدثنا: كيف أصبحت شيوعياً؟
أحييكم، وأحيي من خلال صحيفتكم كل الرفاق، وأشكر لكم إتاحة الفرصة الطيبة لأتحدث بما لدي:
أنا من مواليد قرية «بيت العياط» بمحافظة طرطوس عام 1949، وقريتي تطل على شاطئ البحر، وأهلها كما شعبنا، أناس طيبون يعمل معظمهم في الزراعة.
تلقيت تعليمي الابتدائي والإعدادي بمدرسة «خلوف»، ثم بمدرسة «عقبة بن نافع» في طرطوس، وكان لأسرتي الكادحة دورها الهام في تنمية مشاعر حب الوطن واحترام الذين يعملون ويكدون من أجل لقمة العيش الشريف. بدأت بوادر الإحساس بالانتماء الطبقي للكادحين تعتمل في وجداني وأنا أعمل بين إخوتي الفلاحين، ومن الطبيعي أن يستمد الإنسان وعيه من مجتمعه وواقعه.. واليوم أستعيد ذكرى مواقف وأحداث تركت أثرها الجلي في بلورة إدراكي للواقع الطبقي القاسي والمرير الذي كان سائداً ومازال يجثم على صدور غالبية أبناء الشعب، ومن تلك المواقف مداخلة عضو الجمعية الفلاحية في قرية «مجدلون البحر» الرفيق محمد سليمان «أبو علي» في اجتماع الهيئة العامة للجمعية، وكنت يومها عضواً في الجمعية، تحدث فيها عن واقع الفلاحين وما يعانون من مشكلات وهموم، وطرح مطالبهم المحقة بمنتهى الصراحة والجرأة، فشدني إليه بكلامه الصادق الحار، وأحسست أني أجد نفسي في اندفاعه وحماسته وإخلاصه، فقد عبر عما يغتلي في داخلي، وكان أن التقيت به وحدثته برغبتي في التعرف إليه، وتوطدت العلاقة فيما بيننا، فهو شيوعي معروف ومحترم في ضيعته وجميع الضيع المجاورة، وأخذت عن طريقه، أطلع على دوريات الحزب، وأقرأ المجلات والكتب التي تتحدث عن الصراع الطبقي والاشتراكية وحقوق العمال والفلاحين بحياة أفضل وأجمل دون قهر أو استغلال أو خوف، كما تعرفت عن طريقهعلى الرفيق الراحل محمود صالح «أبو خالد» عضو المكتب التنفيذي بمحافظة طرطوس الذي سحرني بقوة شخصيته وجرأته وحديثه، فازددت اقتناعاً بالفكر العلمي الثوري. وبعد سنتين أخبرني الرفيق «أبو علي» أن الوقت قد حان لأكون عضواً في الحزب، وهكذا تقدمت بطلب الانتساب عام 1979 وأصبحت شيوعياً، وصار الوطن والحزب مترابطين في حبي لهما وعملي ونضالي من أجلهما.
إنني أعتبر كل من يخدم الوطن رفيقاً لي.. عملت بجد ونشاط بين الفلاحين وترشحت لمجلس الرابطة الفلاحية بطرطوس عام 1987، وفي اجتماع المجلس تحدثت بكل الجرأة والواقعية عن معاناة الفلاحين وحقوقهم، وقد تعرضت كما تعرض الرفاق للكثير من المضايقات والافتراءات والتقارير المغرضة التي تمتلئ بالحقد على الشيوعية والشيوعيين، ومثال بسيط عليها: حين تقدمت بطلب ترخيص مطعم، طلب مني مكتب الرخص مراجعة فرع الأمن، وعندما راجعته «استقبلني» ضابط الأمن في مكتبه بصفعة شديدة وكلام سيء... والسبب هو نشاطي السياسي... هذه الحادثة لن أنساها أبداً، فذهبت مباشرةً إلى الرفيق محمود صالح ودخلت معه لمقابلة المحافظ، وحدثناه بما جرى وآثار الصفعة مازالت على خدي، فاتصل بفرع الأمن، وذهبت مع الرفيق محمود صالح إلى الفرع وأخذت الموافقة على الترخيص.
إن ذكريات العمل والنشاط الحزبي والطبقي ستبقى حية في خاطري، وذكريات الرفاق الذين عملت معهم تملأ صدري بالأمل والثقة، ولاسيما الرفاق محمد سليمان ومحمود صالح ومحمود عيسى أبو فراس سكرتير المنطقية ومحمود زغبور ورئيف بدور..
أما الذكريات المؤلمة، فهي ذكريات بدء الانقسامات والتشرذم والضعف الذي تعرض له الحزب فأبعدته عن جماهيره وأبعدت جماهيره عنه، وأذكر بألم وسخط، ما كان يقوم به بعض الرفاق المسؤولين، الذين كانوا يزورون الفرق الحزبية ويضعون في جدول أعمالها (تشويه صورة بقية الرفاق)، فكانوا سبباً في استفحال الانقسامات والتمترس السيئ المدان، مستهترين بأهمية الحفاظ على الحزب ووحدته. وأقولها بصراحة: إن الحزبي غير المقبول اجتماعياً وأخلاقياً ليس شيوعياً، ولن يحترمه أو يستمع إليه أحد من الناس، فكيف من الرفاق؟!
منذ فترة تعرفت على اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وقرأت صحيفة قاسيون، فعادت لي الثقة، ووجدت نفسي من جديد.. إن من أكبر وأغلى أمنياتي أن أرى الحزب موحداً قوياً كي يشعر كل فقير في هذا الوطن أن له سنداً حقيقياً في هذه الحياة... ولأجل ذلك يجب أن يعمل جميع الرفاق.