التسيب والفساد وعدم التخطيط المنهجي .. يهدد الثروة الحيوانية في سورية

قلة الأمطار والمناخ الجاف الذي تتعرض له المنطقة، أمر ليس باليد تجاوزه أو الوقوف بوجهه، ولكن التهريب والإسراف بتصدير الماشية وحرمان السوق الداخلية منها، وغلاء أسعار الأعلاف، ممارسات لا تساهم في استقرار وبقاء وحماية الثروة الحيوانية، بل هي عوامل  تهدد الأمن الغذائي في حال عدم التصدي لها ومعالجتها بالطرق السليمة. فهل الثروة الحيوانية في طريقها إلى الانقراض؟

باستعراض واقع الثروة الحيوانية في البلاد ما بين الواقع الحقيقي والإحصاءات الوهمية التي تقدمها المكاتب المختصة، قد توصلنا إلى نتيجة تؤكد صحة الفرضية أعلاه. وهنا يحار الباحث عن حقيقة الأرقام المنشورة، لكثرتها وتباينها، فبعض الإحصاءات تشير إلى أن الثروة الغنمية في سورية تبلغ عشرين مليون رأس، وأرقام أخرى تشير إلى 16 مليون رأس. في حين إحدى الإحصائيات تعتمد الأرقام التالية لتعداد الماشية: الأغنام /14/ مليون رأس، الماعز /1- 2/ مليون رأس، الأبقار /900/ ألف رأس، جواميس /41/ ألف رأس.

من حقنا أن نشكك بصحة هذه الأرقام والإحصائيات لأننا نراها مختلفة عن أرض الواقع تماماً، بعد معرفة الغايات والطرق التي تتم بها هذه الإحصاءات، وما يتخللها من فساد ورشوة وسوء تدقيق من لجان الإحصاء، أو ادّعاء أعداد مضاعفة لحقيقة ما يملكه مربي الماشية، بغية الحصول على أكبر كمية ممكنة من العلف المقنن، بسبب ارتفاع أسعار المواد العلفية بالسوق السوداء، إذ أن المقنن العلفي الشهري لرأس البقر لا يكفي لإطعامها لأكثر من يوم ونصف. وهناك من لا يملكون رأسا واحدا من الماشية من المتنفذين والتجار، ولديهم أرقام خيالية على دفاتر الإحصاء، وقد وصل سعر الكيلوغرام الواحد من الأعلاف المركزة في الصيف الماضي إلى أكثر من 22 ليرة سورية، بعد أن نشط تهريبها إلى الخارج، وصار مربي الماشية يبحث عن أية طريقة للتخلص من مواشيه، كي لا تموت بين يديه جوعاً، لتهبط أسعار الأغنام إلى الدرك الأسفل، إذ كانت تباع النعجة مع مولودها بأقل من ثلاثة آلاف ليرة سورية، فكثر ذبح الإناث من هذه القطعان ما شكل تهديداً حقيقياً بانقراض الثروة الغنمية، بسبب انخفاض فرص التكاثر.

وفي الأيام الأخيرة فتح باب التصدير إلى المملكة العربية السعودية، وترافق ذلك مع هبوط نسبي في أسعار العلف، وكما هو معروف فإن التصدير يكون لذكور الأغنام فقط، والدولة سمحت بتصدير مليون وستمائة ألف رأس، كرقم رسمي، من ذكور العواس، والجدير ذكره أن رأس الغنم في سورية يباع بحوالي 6000 ليرة سورية، بينما يباع في السعودية بما يقارب 13000 ليرة سورية، ومع استمرار التصدير ارتفعت أسعار اللحوم في السوق الداخلية ليصل سعر الكيلو غرام منها إلى 600 ليرة سورية، فما كان من تجار السوق الداخلية إلا أن اتجهوا إلى إناث الغنم لكفاية الطلب على اللحوم، فصارت الإناث من الأغنام تذبح عوضا عن الذكور المصدّرة، وهذا ما يؤكد أن الثروة الحيوانية في الطريق إلى الانقراض، بسبب السياسات المرتجلة وغير المتزنة في مجال التربية الحيوانية.

أما بالنسبة لعدد رؤوس الجاموس في سورية، فالرقم مشكوك فيه لأن تربية الجاموس تتوزع على ثلاث مناطق هي: المنطقة الوسطى وتتركز في الغاب، والمنطقة الجنوبية والمنطقة الشرقية، ومربّو  الجاموس في منطقة الغاب يُعَدّون على الأصابع، و حسب أحد المربين لا يوجد أكثر من 300 رأس، مع أن هذه المنطقة يُعتَمَد عليها في تربية الجاموس، إذ يوجد فيها مجمسة تابعة للدولة. وفي المنطقة الشرقية عددها أقل من 400 رأس، ولن تكون بقية المناطق التي يربى فيها الجاموس بعيدة عن هذه الأرقام!! إذاً من أين جاءت هذه الأرقام الخيالية لأعداد الماشية؟!!

أما بالنسبة لعدد رؤوس الأبقار فقد بلغ حسب الإحصاءات قرابة المليون، وإذا كان متوسط إنتاج البقرة الحلوب في العام /7500/ كغ، فإن إنتاج /500/ ألف رأس فقط منتجة للحليب يساوي ثلاثة مليارات وسبعمائة وخمسين مليون كغ من الحليب البقري سنوياً وإذا ما أهملنا إنتاج الأغنام والماعز والجاموس من الحليب، نجد أن لدينا أنهاراً من الحليب واللبن، ولو كانت هذه الأرقام صحيحة، لما قارب سعر الكيلو غرام في السوق 40 ليرة سورية، وسعر كغ من لحم العواس ب 600 ليرة سورية...

الحل لن يكون إلا عبر دعم وتوفير الأعلاف اللازمة والكافية للمواشي، من المؤسسة العامة للأعلاف، وبأسعار مناسبة، مع كبح جماح أسعار الأعلاف المنتَجَة من القطاع الخاص. وإيجاد طرق جديدة داعمة لتربية المواشي، كي تستقر حال مربي الماشية ويستمروا بتقديم أهم المواد الغذائية للمواطن من اللحوم والحليب ومشتقاته، وإيجاد سياسات قادرة على التحكم بأعداد الماشية وتكاثرها وتنميتها، بحيث تتوفر اللحوم والمشتقات الحيوانية بأسعار مناسبة للمواطنين. وإن الدولة بدعمها لمربي المواشي فإن آثار هذا الدعم لن يقف عند حدود تلك الشريحة بل سينعكس إيجابياً على المجتمع بأسره، وبذلك يتم تأمين جزء هام من الأمن الغذائي الذي ترتكز عليه صيانة كرامة الوطن والمواطن.