الإكراه اقتصادياً.. لماذا؟ ولمصلحة من؟
ارتبط مفهوم السلطة تاريخياً بالإكراه، ويمكن ملاحظة هذا الارتباط في كل مظاهر السلطة وصورها ابتداءً من السلطة داخل الأسرة، وانتهاء بما يجري اليوم من هيمنة الدول الكبرى على العالم، إلا أن طبيعة هذا الإكراه ووسائله تختلف من مستوىً إلى آخر ومن عصر إلى عصر، باختلاف أهداف كل سلطة ومنشئها وطبيعتها.
وتؤكد الدراسات التاريخية أن الإكراه عندما مورس في بداياته من رب أسرة على أسرته، ثم على رب أسرة آخر، ومن ثم من قبيلة على قبيلة أخرى، كان إكراهاً مادياً مباشراً مبنياً على القوة، وهو أحد العوامل التي أدت لاحقاً إلى الاختلال في توزيع الثروة، ومن ثم سيطرة طرفٍ على آخر اعتماداً على ما صار يعرف بالإكراه الاقتصادي المدعوم بالإكراه المادي المباشر عند الضرورة، وهذه الصورة من صور الإكراه هي التي قامت عليها السلطة في عصور الإقطاع، وتقوم عليها سلطة الرأسماليين في مجتمعاتهم، وسلطة الدول الكبرى في عصر ما يعرف بالإمبريالية العالمية أعلى أشكال الرأسمالية المنفلتة من كل الضوابط.
وهكذا يمكن القول إن الطرف المسيطر اقتصادياً هو الطرف المسيطر عموماً، بمعنى أنه هو من يفرض الخيارات على الآخرين بما في ذلك الخيارات السياسية والاقتصادية والثقافية. والغالب أن يلجأ صاحب السلطة إلى ممارسة الإكراه الجسدي المباشر المستند إلى القوة ضد كل من يحاول مقاومة الهيمنة المطلقة له، أو كل من يحاول الخروج على الخيارات التي يحاول فرضها على الآخرين.
ونلحظ في هذا المجال أن الرأسمالية العالمية بقطبها الأكبر الولايات المتحدة تسعى إلى ربط العالم أكثر فأكثر باقتصادها من خلال العولمة لكي يسهل عليها ممارسة الإكراه الاقتصادي على الدول والمجتمعات، وأما التدخل العسكري المباشر في الشرق فهو في أحد أهدافه صورة من صور الإكراه المادي المباشر المبني على القوة، والذي يهدف إلى تثبيت سلطة الرأسمالية العالمية وتأمين سيطرتها على العالم أجمع. وفي هذه المواجهة نجحت قوى الممانعة في الشرق في الثبات في وجه محاولات الإكراه المادي التي تتم بواسطة أكبر قوة عسكرية في التاريخ، وبالتالي فإن المقاومة العربية الشرسة في فلسطين ولبنان والعراق تمكنت من إرباك صاحب السلطة المطلق في العالم وإيقافه عند حده، أو على الأقل منعه حتى اللحظة من تحقيق الأهداف التي توخاها من خلال تدخله المباشر.
وبعد هذا السرد، يبرز السؤال المحير: ترى ما هي المبررات التي يستند إليها الفريق الاقتصادي السوري عندما يسعى إلى ربط الاقتصاد السوري بمكنة العولمة، وبالتالي فتح القنوات أمام منظومة الرأسمالية العالمية لممارسة الإكراه الاقتصادي لاحقاً على المجتمع السوري وفرض خياراتها السياسية والاقتصادية عليه؟
لماذا يحاول البعض إهداء نصر مجاني لمكنة العولمة الامبريالية، فيما يبذل الآخرون دماءهم لمواجهة الآلة العسكرية الصماء التي تحاول فرض إرادتها علينا؟.