التسمم بانقطاع الكهرباء
«إعياء وصداع وحرارة مرتفعة مع إسهال حاد».. أعراض كثر انتشارها بين العديد من الأشخاص دون معرفة سبب واضح لهذه الظاهرة التي أصابت سكان عدة محافظات..
أحد الصيادلة في منطقة ركن الدين، أكد ورود عشرات الحالات خلال أيام قليلة تحمل هذه الأعراض، الأمر الذي دفع للشك بمدخلات الجسم من طعام وشراب.
قد لا تكون ضربة شمس!
صحيفة (قاسيون) راجعت كل من مشفى المجتهد والمواساة وابن النفيس، لتبيان حقيقة كون تلك الأعراض ناتجة عن الإصابة بضربة شمس، إلا أنهم أكدوا جميعاً أن أعداد المصابين بضربات الشمس هي ضمن المعدل الطبيعي لمثل هذه الفترة من العام، وبالتالي ليست السبب وراء تلك الحالات المنتشرة كلها..
وقال رئيس قسم الإسعاف في مشفى المجتهد الدكتور نضال عيسى أن «حالات الضربات الشمسية ليست كثيرة، وهي ضمن الحد الطبيعي لهذا الوقت من السنة».
احذر مما تأكل
إجابة المشافي حولت الاهتمام إلى قضية التسمم الغذائي الذي قد يكون مسبباً للحالات، وخاصة مع الوضع غير المتناسب للكهرباء مع شدة الارتفاع في درجات الحرارة، وبالتالي عدم توفر شروط تخزين صحية للأطعمة، وهو ما أكده استشاري الإسعاف والطوارئ في مشفى المجتهد، بهجت عكروش، بأن معظم حالات التسمم التي يتعرض لها الناس في هذه الفترة من العام، ناتجة عن فساد الطعام نتيجة الحرارة، حيث تم تشخيص عدة إصابات تسمم بأنواع مختلفة من الطعام، مشيراً إلى أن «المشفى استقبل حالات عدم تحمل غذائي عديدة، ناتجة عن فساد الأطعمة في ظل ارتفاع الحرارة».
ارتفاع الحرارة وانقطاع الكهرباء الذي يضر بظروف حفظ الأطعمة والتي تتم غالباً في الثلاجة أو البراد، على حد تعبير أحد الأطباء، هي السبب الأول والرئيسي في حالات التسمم الغذائي المنتشرة مؤخراً، خاصة إذا علمنا أن بعض تلك الأطعمة لا يتغير مذاقها حتى عندما تصبح غير صالحة للاستهلاك البشري.
اطبخ ليومك فقط
وأوضح الطبيب محمد عوض لجريدة (قاسيون)، إن الطعام المطبوخ يعد بيئة مناسبة لظهور الجراثيم خاصة بعد حفظه وتسخينه.
وتلجأ الكثير من العائلات السورية، ومع محدودية الدخل، إلى الاقتصاد في مصروفها عبر تحضير طعام يكفيها ليومين أو اكثر، وبالتالي تحتفظ بكميات الطعام الفائضة في البراد، ومع طول فترة انقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع الحرارة نتيجة موجات الحر المتتالية التي تؤثر على المنطقة، لم يعد حتى البراد كافياً لحفظ الطعام وبقائه صالحاً للاستهلاك.
وأردف الطبيب عوض قائلا إن «مسببات التسمم الغذائي هي ذيفان العنقوديات التي تظهر في الأغذية غير المطبوخة غالباً».
وأكد عوض إن « تناول المصادات قد لا يفيد المصاب دائما، لأن الأعراض التي يعاني منها ناتجة عن إصابته بالزيفان وليس وجود الجراثيم، وغالبا تشفى هذه الحالات بشكل عفوي».
ليس خطيراً ولكن..
وحول المضاعفات ومخاطر الإصابة، قال عوض إنه «غالباً لا تنتج اختلاطات عن تلك الحالات، باستثناء الإصابة بالتجفاف، إلا أنه في بعض الأحيان قد تتطور الحالة ويصاب الشخص بأعراض جهازية، فالزيفان تؤثر على عمل القلب والكلية، وهذه الأعراض ممكن ظهورها مع وصول المرض للمرحلة تحت الحادة، بينما في حال كان التسمم جرثومياً مثل البروسيلا أو السالمونيلا وغيرها قد يصاب الشخص بتجرثم الدم».
«وفي العموم تعد التسممات الغذائية غير خطيرة فيما عدا لدى الأشخاص ممن هم في أطراف العمر والذين يعانون من أمراض مضعفة مثل السكري وضعف المناعة» بحسب الطبيب.
ولفت الطبيب محمد إلى أنه «قد تظهر أعراض معينة على المصاب تستدعي قيامه بتحاليل دم لتحديد نوع الإصابة، سواء كانت بالبروسيلا أو السالمونيلا مثل الحرارة الليلية والصداع لفترات طويلة، كما أنه في حال لم يطرأ تحسن على حالة المريض حتى مع تناوله المصادات واسعة الطيف يطلب منه زرع براز».
المياه «بريئة»
واستبعد الطبيب أن يكون للماء دور في تلك الحالات، لأن المياه غالباً تنقل الكوليرا، وفي الحالات التي تم رصدها بالعموم لم يتطور الوضع إلى وباء وبالتالي المياه مستبعدة كمسبب للمرض.
وفصل الطبيب عوض إن «البروسيلا تظهر في الطعام غير المطهو والأجبان والألبان، بينما تتكاثر العنقوديات في المايونيز».
ومن جانبه، أكد المدير العام للمؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، أن «نظام مراقبة المياه يعمل بشكل آلي ولا يقبل الخطأ، إضافة إلى أنه يعقم المياه بالكلور».
ونفى حريدين في تصريحات إذاعية أن يكون هناك أي «تلوث في مياه الشرب».
ورغم كون المياه «بريئة» من الاتهامات الموجهة لها كمسبب للتسمم الغذائي في حال تناولها، إلا أن معاناة الكثير من المناطق من انقطاع المياه عنهم لفترات طويلة إما بسبب التقنين أو لأسباب أخرى، قد تكون عاملاً مساهماً في زيادة نسب الإصابة بالتسمم، كون شرط النظافة غير محقق في تلك المناطق كما يجب, ما يعني احتمال حدوث حالات التسمم كنتيجة لنقص النظافة سواء من حيث العناية بنظافة اليدين قبل وأثناء تحضير الطعام، أو قبل تناوله، أو عدم توفير النظافة الكافية لمكان تحضير الطعام أو الطعام ذاته..
بينما يعتبر تقنين الكهرباء المطبق في مثل هذا الوقت من العام، حيث ترتفع درجات الحرارة بشدة، الملام الأول، وحامل المسؤولية الأبرز، فيما يصيب الناس، الذين يسعون بمختلف الوسائل للبقاء على قيد الحياة ولو بأبسط السبل وأقل التكاليف، لكن يبدو أن طعامهم حتى بات مهدداً لحياتهم التي نجوا بها من رصاص الحرب.