على هامش الفساد..

عندما صدرت التعليمات (الصارمة) التي أوصت بأنه لا يجوز توظيف أي مواطن إلا بعد أن يسجل في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظته ليتم ترشيحه إلى الدوائر التي بحاجة لموظفين وحسب المؤهل الذي يحمله، بادر جميع العاطلين عن العمل لتسجيل أسمائهم لدى الجهة ذات العلاقة، ظناً منهم بأن الطريق أصبح مختصراً للظفر بعمل لائق، ولم يعد ثمة حاجة إلى الوسطاء والوساطات ودفع الرشاوى والأتاوات... لكن الرياح هبت عكس هذه الأحلام تماماً، وربما أصبحت الأمور أعقد وأسوأ مما كانت عليه بعد أن فشل الجديد المعوّل عليه في محو صورة القديم السائد، حتى أن الكثير من العاطلين عن العمل يرون أن هذه التعليمات كانت عبارة عن إبرة تخدير ليس أكثر..

ولعل الدليل على ذلك يكمن في هذا المثال البسيط الذي نسوقه من مدينة البوكمال:

فقد تم مؤخراً تعيين تسعة موظفين في المصرف الزراعي في البوكمال، ثلاثة منهم ليسوا من خارج المدينة فحسب، وإنما من خارج المحافظة كلياً.. والسؤال هنا: هل من المعقول أن يكون المصرف الزراعي في البوكمال الذي طالب بزيادة موظفيه لسد النقص الكبير الحاصل عنده (وهو ما كتبنا عنه سابقاً) فرصة حقيقية لأناس من خارج البوكمال، وهو يقبع في مدينة تنأى في أقصى شرق سورية؟؟ ثم ألا يوجد من يحملون شهادات جامعة وشهادات معاهد متوسطة تجارية وفي اختصاصات مختلفة من أبناء البوكمال؟؟

المضحك أن أحد هؤلاء الموظفين الجدد يحمل شهادة إعدادية (فقط)، فهل طابقت مواصفاته ومستوى تأهيله دون غيره فرصة العمل المتاحة؟ ثم هل فكر من أصدر قرار تعين هؤلاء الموظفين القادمين من خارج المحافظة بأن من أسبغ عليهم كرمه سيحتاجون لمسكن ومصاريف إضافية وأجرة مواصلات من وإلى محافظاتهم؟

الجميع يدرك أبعاد تعيين هذا النوع، ويمكن التكهن بما سيجري لاحقاً بسهولة.. حيث سيتم نقل أو ندب هؤلاء الموظفين الجدد كلاً إلى محافظته مع إبقائهم على ملاك المصرف الزراعي في البوكمال، وفي حال مطالبة المصرف بموظفين لسد الشاغر، سيكون الجواب: لقد اكتمل ملاككم!! وبالتالي تبقى المشكلة قائمة، ويبقى المصرف الزراعي في البوكمال يعاني من النقص في موظفيه..

هذا الاحتيال والتلاعب المستمر والمزمن على واحد من أنجح المصارف الزراعية في سورية ربما يراد من ورائه إفشال عمله بهذه الطريقة أو تلك، ناهيك عن حرمان حملة الشهادات التجارية الجامعية أو المتوسطة من أبناء البوكمال من نعمة العمل في هذا المصرف، ليبقوا على قارعة الطريق إلى يوم يبعثون.. ولعل هذا أحد إنجازات وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ففيما مضى لم يتم مطلقاً تجاوز مديرية الشؤون في دير الزور، أو القفز فوق مرشحيها.. فهل كتب على البوكمال أن يكون معظم موظفي دوائرها من خارج أبناء المدينة، ومن خارج محافظة ديرالزور في كثير من الأحيان؟ إن هذا يعد إجحافاً بحق أبناء البوكمال وبناته، فكم من خريج وخريجة معهد تجاري من أبناء البوكمال عاطل عن العمل وينتظر رحمة أصحاب القرار؟!.. صحيح أنه لا فرق بين ابن هذه المدينة أو تلك، فالكل أبناء وطن يعيش قسم كبير من أبنائه بلا عمل، لكن هذا القرار قد يجعل صاحب الحاجة، وهو أرعن، يعتقد أن هناك تمييزاً من نوع ما بين هذه المحافظة وتلك، وبين هذا المواطن الفقير وذاك، فيساهم كل ذلك في إحداث فرز وهمي، فرز لا يخدم الوحدة الوطنية..

والحقيقة أن ما يجري هو مجرد فوضى وتخبط وانخراط في الفساد، وبالتالي ما على ابن البوكمال إلا أن يسجل اسمه في مديرية من مديريات الشؤون في إحدى المحافظات البعيدة، عسى أن تسنح له فرصة التوظيف ويستطيع أن يسد رمقه ورمق عائلته..

فإلى متى تبقى القرارات عشوائية وعبثية وغير مسؤولة وغير مدروسة؟ إن هذه الحالة نضعها على طاولات كل أصحاب العلاقة، ونطالب أن تأخذ هذه الجهات بالحسبان أن للبوكمال أبناء عاطلين عن العمل كباقي أبناء الوطن وهم أحق من غيرهم بالعمل في دوائرها. 

■ البوكمال - تحسين الجهجاه