أكياس النايلون في قفص الاتهام
بدأت الحملة الوطنية السورية الكبرى ضد أكياس النايلون، حيث صرحت وزيرة البيئة لوسائل الإعلام منذ فترة، بأنها ستحارب ظاهرة أكياس النايلون حتى النهاية، مشيرة إلى مدى فداحة تأثير هذه الأكياس على الصحة العامة والبيئة، وخصوصاً بعد انقراض ونفوق عدد كبير من الحيوانات البحرية والبرية.. والحقيقة أن اهتمام وزارة الدولة لشؤون البيئة بمثل هذه القضايا البيئية أمر مهم ومشجع، لكن الأهم هو أن تقترن الأقوال بالأفعال، وهذا يتطلب تضافر جميع الجهود المحلية، وفي مقدمتها الجمعيات البيئية الأهلية والحكومية في سبيل الوصول إلى الغاية المطلوبة، أي بيئة نظيفة وسليمة في سورية، أما أن تبقى هذه التصريحات في نطاق البرتوكولات والمؤتمرات الاستعراضية، فهذا يعني بأننا سنبقى في المربع الأول نراوح في مكاننا.
إن أي جهد يتم بذله لحماية البيئة السورية وجعلها نظيفة هو جهد مشكور ويستحق التقدير، لكن ذلك يتطلب العودة إلى لب المشكلة ومعرفة الأسباب الحقيقية لحالة التدهور البيئي في سورية، فالتصحر طغى على أكثر من مساحة 60% من أراضي سورية وهو في تزايد بسبب السياسات الزراعية الحكومية المدمرة، والحرائق في الغابات مستمرة بفضل المتنفذين، والصيد الجائر لم يتوقف والذي لا يزال الهواية الأولى لبعض أفراد المجتمع المخملي، ونتيجته قد تكون انقراض ما تبقى من أنواع الطيور، علماً أن سورية ماتزال تعتبر في المقاييس العلمية الدولية ملتقى للطيور العالمية، وهذا ما أكده أيضاً مجلس الطيور العالمي: يمكن رؤية أي طير ضائع أو حتى منقرض في الجمهورية العربية السورية.. كذلك تتفشى حالة عدم الاهتمام بالحدائق العامة، كما لم يتم نقل مراكز القمامة إلى خارج المدن، ولم تقر حلول علمية وسليمة لخطوط التوتر العالي الكهربائية في المناطق السكنية...
هذه كلها قضايا بيئية ملحة تحتاج لأوسع اهتمام ممكن من جانب وزارة الدولة لشؤون البيئة التي تقول أكثر مما تفعل. وإذا كانت الخطة الخمسية العاشرة وهي الآن في نهايتها، قد قصرت في التصدي لهذه القضايا البيئية، فعلى القائمين على الخطة الخمسية القادمة أن يتصدوا لهذه المسائل بجدية وجرأة أكثر، كي لا تبقى بنود الخطط الخمسية القادمة حبراً على ورق، وعندها ستكون جبهة محاربة أكياس النايلون جبهة حقيقية غير مفتعلة، لا تخاريف بلاستكية نايلونية كما هي الآن.
إعلان: «للتبليغ عن الأكياس اتصل بأقرب مخفر للشرطة»!
وكون حكومتنا تتقن فنون عقد المؤتمرات والاحتفالات، فقد نشهد في الأيام القريبة القادمة يوماً لمحاربة أكياس النايلون على غرار كل الأيام والمناسبات التي نقيمها سنوياً، لكن ما يخيفنا هو أن يصبح هذا اليوم كارثة على الفئات المهمشة في المجتمع، فكيس النايلون الموجود في أسواقنا هو نتاج المعامل السورية عبر عملية تصنيعية معقدة، وهناك مئات الأطنان من الحبوب البلاستيكية المحلية والمستوردة لتصنيع هذه الأكياس، وتضم هذه المعامل أعداداً كبيرة من العمال المساهمين في عملية الإنتاج.. فماذا سيكون مصيرهم؟ وكيف يمكن تنظيم هذه العملية بطريقة عادلة وما هو البديل؟
ما هو معروف حتى الآن أن هذه الحملة مازالت في إطار الدعاية، وذلك عبر التأثير في الرأي العام وتوعيته بضرورة محاربة أكياس النايلون، أما كم هو عدد المعامل والعاملين في هذا القطاع، فهذا الأمر لم يتوضح بعد، ويبدو أن القائمين على الحملة لا يزالون في إطار الإعلام، ولم يطلعوا من غرفة الصناعة والتجارة على حجم الصادرات والواردات السنوية لمادة النايلون الموجودة في أسواقنا. فإذا كانت وزارة الدولة لشؤون البيئة جادة في إيجاد حل نهائي لمشكلة أكياس النايلون، فذلك يحتاج إلى قوانين وقرارات بيئية صارمة، وبالتوازي مع هذه الحملة المنظمة يجب أن تدار حملة أخرى أكثر شراسة ضد جميع الاعتداءات اليومية على البيئة والتنوع الحيوي في سورية. وللتذكير، فهناك قضايا خطيرة على حياة الإنسان والحيوان والنبات على السواء، وهناك أرقام مخيفة عن حالة التدهور البيئي في سورية، أخطرها (مشكلة التصحر، وحرائق الغابات المفتعل، وهدر المياه، الصيد الجائر.. والقائمة تطول، أما مكبات القمامة في خاصرة المدن وبين الأحياء السكنية فهي وحدها كارثة حقيقية، وبقاؤها بين الأحياء سيؤدي إلى انتشار الأوبئة، وقد تودي بحياة مئات الآلاف من البشر.
ورغم تأخرنا في محاربة أكياس النايلون الموجودة في أسواقنا، إلا أن الحملة تعتبر من الخطوات المهمة للخلاص من بعض السموم التي تفسد حياة المواطنين السوريين منذ زمن بعيد، وما نخشاه أن تبقى هذه الحملات في إطار الإعلام فقط.
لذلك يجب العمل مباشرة والانتقال إلى مرحلة البدء بإصدار القوانين البيئية المناسبة، وتأمين جميع المستلزمات المساعدة لحماية الإنسان والبيئة، فالحفاظ على التنوع الحيوي وحمايته واجب على الجميع في الدولة والمجتمع، ولا يمكن الوصول إلى هذه الأهداف النبيلة، إلا عبر تنمية حقيقية ومستدامة.