مطبات: الاستثمار جنوباً

ربما تتغير فكرتي عن الجنوب بمحض الاستثمار القادم، ربما سيقع تشاؤمي صريع تفاؤل القائمين على جعل الجنوب جنة استثمار، وربما تنجح الحكومة هذه المرة في تحويل الخمود الاقتصادي في جنوبنا إلى حراك في كل جهاتنا.

الجنوب الأسود من بقايا البراكين الخامدة منذ قرون، الجنوب المظلوم من صلف الغزاة، وإهمال الأهل، الجنوب الذي يفيض خيراً ووحدة، وبشراً من لحم ودم حقيقيين، وطيبة تصل إلى حد السذاجة.

في سنوات (المحل)- أي الجفاف- التي حاصرت دمشق، وفي أيام امتناع المطر عن قاسيون، وحينما توارى بردى من خجله عند الربوة، قال جدي وقتها: كانوا هنا.. أهل الشام وريفها، هنا في الجولان والقنيطرة يضمنون القمح، هنا يخيم الشامي، يزرع الأرض المسودة من الخير، يسقيها من خزان النهر الذي لم ينقطع في (بانياس)، ويحصد بأمواله وأيدي البسطاء في الجنوب غلة الشام من الحنطة الجولانية.

هنا في الجنوب، تاريخ ما زال يداعب بقاياه هواء لم تلوثه الزحمة، ولم تخنق ألقه رائحة الصرف الصحي، ربما هلك بعضها بريح الإهمال، ربما نظر إليها أولياء السياحة على أنها خرائب، أو كخانات لنوم الجان والعفاريت، أو مساكن صالحة لأغنام ضالة وذئاب جائعة من هبة ثلج، لكنها الأوابد التي تشهد وحدها على أن للجنوب أيام عز أكبر وأهم من أيام الظلم، وأن الجنوب هنا.. عناد وعناء، بشر وشمس، وقمر واضح البياض والتفاصيل.

ستتقاسم مدن الجنوب الثلاث سلة المشاريع، السويداء والقنيطرة ودرعا مدن بكر كالقرى، مدن عذراوات، أخوات توائم يشبهن البراءة، ويخفن من يد من المؤكد أنها ستتجرأ عليها، إحساس العذراء بأول أيامها مع يد غير يديها، ارتعاشها من كف تتصوره خشناً ولا يهاب، فرفقاً أيها القادمون بالهواء النظيف، والماء المخلوط بعشب نضر، والأرض التي لم ينتصب على ظهرها دبّاغة، معمل رخام يقذف الطمي القاتل، معمل دواء يرمي إبره وفضلات دوائه، معمل اسمنت ينفث سمه على البيوت وفي الرئات.

سيمر الذاهبون على الجنوب، سيفكرون كما هم، كما نعرفهم، باستثمار اليد والجسد، والأرض وما عليها، اللواتي يعملن في الأرض، الفلاح الذي يمد خراطيم ماء التنقيط، البيت البلاستيكي، الدوالي التي تحمل براعم العنب والثمل، البقر الهائم على مراعٍ لا تحد، الروث العارم كتل صغير متأفف، الوادي الذي يحتضن الأعوج بأسماكه.. ستساور الذاهب المشاريع، ربما فندق بنجوم يتفق على عددها، كازينو مفتوح على السماء، معمل تعبئة ماء نظيف فلا كلفة في الماء، قروض زراعية تصير شراكات مع البشر والأرض، بيوت بلاستيكية فالفلاح سيدها، مباقر، مسامك، حظائر.

الجنوب البكر أيها السادة الذاهبون لفك إزار مالكم، بستان واسع للربح والعمل، جربنا في عام 2008 فرصة الاستثمار شرقاً، عندها تحدث الوزراء المعنيون عن الآمال والآفاق والطموحات، عن المشاريع التي ستنفذ بنظام الـ bot، عن التسهيلات التي سيقدمونها، عن المدن الصناعية، عن الزراعة كون الشرق يحتاج إلى الاستثمار في المحاصيل بكل أنواعها وتربية المواشي وإقامة المحميات والاهتمام بمصادر الطاقة والمياه والطرق، وهذا بدوره سيحقق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وفي السياحة لدينا المواقع الأثرية والدينية والملاحية والصحراوية والبيئية، ويمكن أيضاً الاستثمار حتى  بمقومات المجتمع المحلي من حيث العادات والتقاليد وحسن الضيافة، حتى حسن الضيافة يمكن أن يُستثمر.. والشرق والجنوب هنا لا يختلفان.

ما قيل عن استثمار الشرق يشبه ما سيقال عن الجنوب، النتائج ربما هذه المرة قد تختلف؟

عبد الرزاق دياب

ملاحظة: يبلغ عدد الفرص والمشروعات الاستثمارية التي ستطرح خلال المؤتمر نحو 56، موزعة إلى: 35 في السويداء، و14 في القنيطرة، و7 في درعا.. وتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية.