يوسف البني يوسف البني

صراع معلن بين تجار البناء متمثلين بالجمعيات السكنية إخلاءات غير قانونية بحَيّ البيادر في برزة

منظر مخجل محبط مقزز تقشعر له الأبدان، لا أحد يتمنى أن يراه يوماً في بلاده، صراخ وشتائم وسخط ليس له حدود، بكاء نساء وأطفال، وحقد وغل وقهر مكتوم عند رجال لم يسلبهم طعمُ النزوح والفقر أمل بتحسن ظروف بلدهم ولو بعد حين، أكوام من المتاع والأدوات تُرمى من النوافذ، مع أنها على بساطتها هي الثروة الوحيدة والكنز الذي استطاع جمعه موظف ذو دخل محدود، مطرود من بيته الذي لا يملك سواه مظلة من حر الصيف وبرد الشتاء.

بالاستتار وراء القانون تارةً، أو التحايل عليه تارةً أخرى، أو حتى تسخيره لخدمة مصلحتهم الخاصة وتحقيق الأرباح الفاحشة والمكاسب على حساب معيشة الشرائح الفقيرة من شعبنا الكادح في سورية، وخاصة ذوي الدخل المحدود، يسعى تجار البناء تحت اسم (جمعيات سكنية) لطرد الناس من بيوتهم لإقامة المشاريع السكنية الكبرى مكانها. 

النفع العام يتحول إلى نفع خاص

تم إصدار مرسوم استملاك موقَّع من رئيس الجمهورية العربية السورية عام 1983، يقضي بمضمونه باستملاك عقارات في الحي المسمى اليوم «حي البيادر» في منطقة برزة العقارية، لمصلحة   مرور وفتح طريق، وقامت المحافظة في ذلك الحين بإخلاء السكان قانوناً وعوَّضتهم، وتم فتح الطريق، وبقيت المحاضر المتبقية على جانبي الطريق، ولم يشملها أي قرار بالإخلاء، بل قامت محافظة دمشق ببيع هذه العقارات بيعاً عادياً، وتحت ظل القانون المدني، واشترت الجمعية التعاونية السكنية للعاملين في قيادة شرطة محافظة دمشق بعض العقارات من أجل إنشاء مساكن لأعضائها، وبذلك خرجت محافظة مدينة دمشق من الموضوع، والقانون يُلزِم أن تبقى المحافظة بعيدة عن التدخل بصفتها سلطة إدارية، ويُمنَع عليها إصدار أية قرارات أو تعليمات تخص السكان والمالكين والجمعية.

وهنا بدأ الأعضاء المستفيدون من الجمعية التعاونية السكنية ببسط نفوذهم، واستعداء بعض إدارات المحافظة ضد السكان والشاغلين، واحتدم الخلاف بينهم، وتمت مراجعة محكمة القضاء الإداري بوصفها جهة قضائية مختصة بالنظر بقانونية القرارات الإدارية، التي تصدر عنها أو عن غيرها من إدارات الدولة، فصدر القرار رقم 677/1 تاريخ 31/5/2001 المتضمن أنه لا يجوز للمحافظة التدخل بالإخلاء أو إصدار القرارات والتبليغات.

وفي خطوة غير قانونية أقدمت مجموعة من عناصر قسم شرطة محافظة دمشق على إجبار مالكي منزلين من العقار رقم /533/ على الخروج من منازلهم وختمها بالشمع بحجة صدور القرار رقم /767/ تاريخ 19/8/2009، الزاعم باستملاك عقارات الجهة الشاكية على المحافظة، أي جمعية سكن الشرطة، وتم الإخلاء بموافقة النيابة العامة، وقد احترم المواطنون قرار النيابة العامة دون معارضة، إلى حين قد تم اكتشاف تزوير قرارات المحافظ، وتبين أنه في حال وجود موافقة من النيابة العامة على هذا الإجراء، فيكون الأمر أنه قد تم وضع المحامي العام بصورة مغلوطة، لكي تنفذ الجهة صاحبة المصلحة، وهي الجمعية السكنية للشرطة، والتي فرض رئيسها وأعضاء مجلس إدارتها نفوذهم على الأجهزة الإدارية واستنفروا عدداً من أجهزتها ضد المالكين والشاغلين للعقارات المستملكة لصالح السكن الشعبي.

للوقوف على معاناة أهالي الحي وآلامهم وشكاواهم من تشردهم، التقت «قاسيون» بعض المواطنين ممن تعرضوا للضغط والابتزاز والإرهاب، على حسب رأيهم بالممارسات التي لاقوها من عناصر الشرطة والمحافظة، وكان لنا اللقاءات التالية: 

لسان حال المشردين والمهددين

ـ إحدى المواطنات المسنات قالت بحسرة ومرارة: «هل صار رزقنا ورزق أهلنا حراماً علينا وحلالاً لغيرنا؟! نحن أصحاب الأرض من دور أهالينا وجدودنا، وعايشين عليها ومعمرين منذ أكثر من خمسين سنة، وحين أتى الوافدون من محافظات أخرى، وبحثوا عن أرض رخيصة للعمار، واشترى كل واحد قطعة أرض على حسب مقدوره، وعمروا وسكنوا منذ أكثر من أربعين سنة، منهم ممن نزحوا من القنيطرة، ومنهم ممن قدم من اللاذقية وحلب والحسكة، واليوم يقولون لنا إنذارات وإخلاءات بسبب الاستملاكات، أين نذهب؟! هل نبحث لنا عن وطن آخر وقد رموا لنا أغراضنا بالطريق، وأقفلوا البيت وختموه بالشمع الأحمر، واحترق قلبنا ونحن نتفرّج عليه مشردين منه».

ـ المواطن أبو محمد قال: «ما في قرار استملاك ولا مرسوم، ولكن يوجد عقود بيع بين بعض المواطنين والجمعيات السكنية لأفراد الشرطة. بعض المالكين يمكن أن يصل عددهم إلى ثلاثة أو أربعة بيوت، باعوا بيوتهم للداخلية بعد التهديد بالإخلاء القسري، وممارسة الضغط والإرهاب، وقد دفعت الجمعية في بعض العقارات سعر متر البناء /39/ ألف ليرة سورية، وبعضها لم يدفعوا أكثر من /18/ ألف ليرة سورية، علماً أن سعر المتر من البناء في العقود بين الجمعية وعناصر الشرطة وصل إلى /140/ ألف ليرة سورية، فقد تم بيع إحدى الشقق في المقاسم المسلمة إلى 25 مليون ليرة سورية، أسعار خيالية وأرباح فاحشة سيجنونها من وراء طردنا من منازلنا، يعطونا ثلث القيمة التي يقبضونها لمساحة العقار ونحن راضون، سنترك لهم بيوتنا ونرحل وسيكون بإمكاننا أن ندبر حالنا لحالنا».

ـ مواطن آخر قال: «إذا لم يعطونا السعر العادل لمنازلنا، فلينفِّذوا قرارات إعطاء السكن البديل، سقف مقابل سقف وبنفس المنطقة، هناك عقود لبناء أبنية برجية، إذا خصصوا برجين فقط لأهالي الحي يمكن أن يستوعبوهم بالكامل، والباقي يأخذوه هم، وقد كان هناك ترخيص لـ8 طوابق، ثم استحصلوا على رخصة بزيادتها إلى /13/ طابقاً، بوعد منهم أن هذه الطوابق الزائدة سيعطونها للذين استُملِكت عقاراتهم، ولكن كذبوا علينا وأعطوها لمكتتبين جدد من الشرطة».

ـ المواطنون فهموا اللعبة الخطيرة والحيل التي تتبعها الجمعية، وقرروا أنها لن تنطلي عليهم بعد الآن، ولن يشاركوا فيها، فقال أحدهم: «بدؤوا يدسون الفتن والشقاق والنزاعات بين الساكنين، حيث استغلوا فقر الناس وحاجتهم، أو ضعف نفوسهم وإرادتهم، وصاروا يشترون أحد البيوت ويعطون صاحبها مبلغاً مغرياً كي يسلمهم البيت، ثم يحرِّضونه لإقناع جيرانه وباقي أهل الحي لبيع بيوتهم، مقابل عمولة، وكل عضو من جمعية سكن الشرطة يحصل على عقد بيع من مواطن له عمولة أيضاً مائتا ألف ليرة سورية من الجمعية. أو يشترون بيتاً من بناء مؤلف من طابقين أو ثلاثة، يشترون الأرضي أو الثاني ويبدأون بالهدم وخلع الأبواب والشبابيك، ثم ينذرون سكان الطوابق الأخرى من العقار بإنذارات وهمية، ويهددون ويرهبون كي يخلوا بيوتهم. وأنا أخلوني من بيتي ولم أستلم شيئاً ولم أوقع على شيء، كل يوم تأتينا شرطة وهمية، وليس معهم أوراق أو إنذارات، وعدة مرات يتصل من يعرف بالإجراءات القانونية بمخفر شرطة برزة ويسألهم هل هؤلاء العناصر الذين يهددون الناس ويأمرونهم بالإخلاء هم من مخفر شرطة برزة؟ فيكون الجواب: «لا ما حدا بيعرف مين هم». وتبين فيما بعد أنهم من مجلس إدارة جمعية مساكن الشرطة».

ـ الأرملة الستينية التي ذاقت طعم الغربة وهي في وطنها قالت: «كذبوا على المحافظ والنائب العام، وقالوا لهما أنهم اشتروا العقارات بالتراضي، فوقعا لهم على قرارات الإخلاء، وأعطوني مسكناً في حرستا على سبيل الهبة، وأنا أرفض الإخلاء وأرفض الانتقال والنزوح مرة أخرى، فأرسلوا لي خمسين شرطياً رموا أغراضي بالشارع، وطلبوا مني قسراً التوقيع على الإخلاء، ولم أوقع ولكنهم أخلوني بالقوة والإرهاب، وأنا أرملة وعندي خمس بنات».

ـ مواطن آخر قال: «نحن عائلتان ساكنتان في عقار واحد، ضحكوا علينا، أحضروا لنا إنذاراً وهمياً، ولما اكتشفنا اللعبة حاولوا خلع الأبواب علينا عنوة ونحن في الداخل، وأرعبونا، فقلنا لهم: «من شان الله، هاتوا العقد حتى نوقّعلكم، أعطونا حق البيت وخذوه، فقالوا: لا يوجد بدل نقدي، بل نعطيكم سكناً بديلاً وأعطونا مسكناً واحداً للعائلتين».

ـ مواطن آخر قال: «صار لنا خمسين سنة ندفع ضرائب وندفع ترابية، ولو كان هناك قرار استملاك عام، كان لازم ينطبق على الحي كله، ولو كان هناك قرار إزالة مخالفات أيضاً، تُزال البيوت كلها، ولكن لماذا يختارون بيتاً واحداً من كل حارة ولا يوجد سوى ثلاثة إنذارات من أصل /80/ بيتاً؟! وحتى هذه الإنذارات نشك في أنها صحيحة، بل هي وهمية ومزورة وتم تنظيمها بطرق غير قانونية». 

الصورة باختصار

هذه هي حال المواطنين في حي البيادر من منطقة برزة العقارية، مهددون بالتشريد من جديد، وقد أكدوا لنا على نقل طلب واحد وبكلام محدد: إلى كل المسؤولين في هذا البلد الأمين، لقد نزحنا مرة منذ ثلاثة وأربعين عاماً، فلا تكونوا السبب في نزوحنا مرة أخرى!!! لماذا يسعون لسلبنا بيوتنا لإقامة المشاريع السكنية لغيرنا مكانها؟! يوجد أملاك دولة كثيرة وغير مشغولة وغير مأهولة، وقريبة من المخططات التنظيمية، فلماذا لا يتم بناء الجمعيات السكنية فيها تخفيفاً للازدحام السكاني؟! 

نقاط على حروف كبيرة 

ـ إن الإشغالات الموجودة على العقارات المطلوب إخلاؤها كانت موجودة منذ تاريخ عقد بيع العقارات من المحافظة للجمعية التعاونية السكنية للعاملين في قيادة شركة محافظة دمشق أي منذ عام 1985.

ـ طلب الجمعية التعاونية السكنية للعاملين في قيادة الشركة محافظة دمشق من المحافظة بإخلاء الإشغالات لا مستند قانوني له وجدير بالرفض لأن كل الجمعيات المماثلة عمدت لإخلاء الشاغلين على نفقتها الخاصة.

ـ المادة /29/ من قانون الاستملاك نصت على حق الإدارة بوضع يدها على العقارات المستملكة لتنفيذ مشاريع الإدارة ذات النفع العام كالمدارس والطرقات وليس للاستملاك بغرض السكن.

ـ لا يجوز للنيابة العامة إصدار أو مؤازرة السلطة التنفيذية في إخلاء المواطنين من بيوتهم ورميهم في الشارع إلا بموجب أحكام قضائية مبرمة منوط بتنفيذها لدى رئاسة التنفيذ، وهذه الأحكام غير موجودة قطعاً.

ـ المقاسم التي بيعت وخرجت من يد المحافظة، لم يعد لها أية صفة لإخلاء شاغليها لفقدان المستند القانوني، ولا يتوجب على النيابة العامة أن تؤازر قرارات المحافظة بالإخلاء.

ـ استخدم رئيس وأعضاء مجلس إدارة الجمعية التعاونية السكنية للعاملين في قيادة شرطة محافظة دمشق نفوذهم وعلاقاتهم واستنفروا السلطات القضائية للحصول على موافقة النيابة العامة لختم العقارات وتشريد شاغليها.

ـ السمسار الذي يتوصل لعقد اتفاق لبيع أحد البيوت لجمعية الشرطة يأخذ /200/ ألف ل.س عمولة إضافة إلى فرق سعر المتر.

ـ بناء على المراسيم الصادرة هناك قرار شفهي من رئيس الجمهورية عام 1981 بإعطاء بيت مقابل كل بيت مستملَك (سقف مقابل سقف في المنطقة نفسها).