لم تعد محطّة...

ملّت حمص من كونها «استراحة».. كما يسميّها أو يختزلها البعض.. وذلك لمجرد أنها تتوسط عناء تنقلهم عبر البلاد.

هذا يشرب فنجان القهوة مسرعا ً.. وذاك يقضي حاجته على عجل.. وآخر يتناول صحناً من حلويات «أبو اللبن».. وأولئك يتناولون وجبة ً سريعة ليُسكتوا بها بعضا ً من جوعهم.. وهذا...وهذي.. وأولئك.. وغيرهم من العابرين..

اليوم باتت هذه المدينة لوحة ً تحمل ألوانَ كلّ المارّين بجانبها.. على تباين مسافاتهم.. كلٌ يرى اللون الذي انتقاه مذ أعلنت انقلابها عن كونها ممرا ً يتوسط عناء سفرهم..

اليوم يمرون بجانبها مسرعين..لا بل تمر هي في عقولهم مسرعة..  خشية أن تختلط عليهم الألوان.. عندها يهدأ المسافرون، يستيقظ أحدهم من غفوته ليلمح آثار الدخان البعيد الصاعد من أطراف المدينة..  يهمس شابٌ في أذن رفيقه همسة ً يأبى خبثها أن يكشف عن دلالاتها.. تلك تحمل هاتفها النقال في يدها دون غاية أو هدف تتأفف بصوت خافت «الشبكة معطلة...!!» يزداد ارتباكها تنقل العدوى للجالسة بجانبها دون أن تدرك أياً منهن سبب الارتباك..

ضوضاء تنخفض تدريجيا ً مع تباطؤ سرعة الحافلة، السائق يتلفت يمنة ً ويسرة ليستفهم سبب الازدحام المقبل.. لا تلبث أن تتوقف الحافلة، ويسود الصمت لدقائق قبل أن يصرخ المرافق مطمئنا ً الركاب «أنه حاجز تفتيش لا غير..»..

يطمئن الركاب لوهلة، يصحون من سكرتهم مع بدء معاناة الانتظار.. مللٌ يتسلى تارةً بخوفٍ مشروع، وتارة ً يتغذى من وحي الخيال البوليسي للمنتظر.. ابتسامات البراءة تعلو الوجوه مع بدء التفتيش، شابٌ عشريني يخرج هويته مسترجعاً على عجل شريط حياته كمن يواجه الموت خائفا ً من ذنبٍ لم يقترفه.. أو «عبارة ًمعارضة» لم ينطق بها لسانه قط..

يتنهي التفتيش، ينطلق الباص مضاعفا ً سرعته انتقاما ً من الانتظار الطويل.. ينظر الركاب عبر النوافذ مودعين ما تبقى من الريف المنكوب، وكأنه الوداع الأخير، بينما تمد لسانها هي ساخرةً وتعدهم بأنها ستبقى محط تلاق ٍ لوجهاتهم المتعاكسة، ولكن على طريقتها هي تجمعهم ساعة تشاء وتفرقهم كما تشاء..

حمص بقيت محطة ينهل منها كلٌ لونه الذي يريد.. لكنها حتما لم تعد محطة.. استراحة..