مؤسسات التدخل تاجر مفلس يغيب عن السوق!

مؤسسات التدخل تاجر مفلس يغيب عن السوق!

في وقت تشهد فيه السوق تقلبات شبه يومية بالأسعار، متأثرةً بسعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، لم يكن من مؤسسات التدخل الإيجابي إلا أن تتماشى مع غيرها من فعاليات اقتصادية وتجارية، لتلحق بموجة الارتفاع، دون أي اعتبار لمسؤوليتها الأولى في ضبط وتيرة العمل التجاري، وتشجيع المنافسة بما فيه مصلحة المستهلك.

صالات لـ»سندس» تغلق خوفاً من الخسائر 

وأكد مواطنون لجريدة (قاسيون) أن عدداً من صالات مؤسسة «سندس»، والمفترض أنها من مؤسسات التدخل الإيجابي التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أغلقت مدة يومين، وذلك تحديداً في اليومين اللذين شهدا قفزات في سعر صرف الدولار وقبل أن يتدخل مصرف سورية المركزي، ثم فتحت أبوابها مجدداً بأسعار جديدة أعلى من السابق.

تصرف صالات تلك المؤسسة، كان مشابهاً تماماً لكثير من التجار، الذين أغلقوا محالهم مع عدم استقرار سعر الصرف وارتفاعه الكبير، حيث امتنعوا عن البيع تفادياً للخسارة، من وجهة نظرهم، ليتمكنوا مع استقرار السعر نوعاً ما، من العودة لعملهم بأسعار جديدة مرتفعة تماشياً مع ارتفاع سعر الصرف.

مؤسسات بلا صلاحيات

ابتعاد مؤسسات التدخل الإيجابي، عن جوهر عملها والهدف من إحداثها، لم يعد خفياً على أحد، وباعتراف رسمي من الجهة التابعة لها، باتت تتعامل بطريقة مشابهة لأي تاجر في السوق، حيث لا تقوم بتأمين السلع من مصادرها بل تعتمد على شرائها من تجار آخرين أو مستوردين.

وأقر بذلك معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عماد الأصيل، في تصريحاته الإذاعية الأخيرة، حيث قال «إن المؤسسات تعمل على البيع بسعر الكلفة وبأقل هامش ربح، لكن عدم قدرتها على الاستيراد أو الحصول على المنتج من مصدره مباشرة، يفتح المجال أمام حلقات الوساطة التجارية لتؤثر في السعر، الذي يعرض نهاية على المستهلك».

ومن جانبه أكد رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق عدنان دخاخني لجريدة (قاسيون) إنه «لا يوجد فرق واضح في الأسعار بين صالات مؤسسات التدخل الإيجابي وبين الأسواق، ومع كون تلك المؤسسات غير قادرة على الحصول على المنتج من مصدره، فلا بد من سعيها لضبط السعر عبر تخفيض هوامش أرباحها بما يدفع التجار لتخفيض سعرهم بالتالي».

وأكد دخاخني إن «تفعيل عمل مؤسسات التجارة الداخلية والتدخل الإيجابي ما زال مطلباً لابد من تحقيقه عبر توسيع نطاق تواجدها وتوفير السلع بأسعار منافسة تشكل عامل ضغط وضبط للسوق».

«المكتوب واضح من عنوانه»

ولفت دخاخني إلى اقتراح تأمين سلة غذائية للمواطنين خلال شهر رمضان، لمواجهة أعباء الغلاء وتراجع القدرة الشرائية لمعظم الأسر السورية، بقوله «موضوع تأمين سلل مساعدات للعائلات المحتاجة حقاً، هو مبادرة بحثناها مع عدة جمعيات ومنظمات خيرية، وفعاليات اقتصادية أبدت استعدادها، وطرحناها على وزارة التجارة الداخلية، لكن الموضوع حتى الآن لم يتم البت فيه بشكل فعلي، والتجارة الداخلية بما تملكه من مؤسسات تدخل إيجابي تعتبر جهة قادرة ومناسبة للتعاون في هذا المجال».

ونوه دخاخني إلى أن «هذه السلة لن تكون كافية لسد كامل الاحتياجات لكنها قد تشكل رديفاً يسهم بتأمين متطلبات العائلة وخاصة خلال شهر رمضان القادم».

بينما كان رأي الأصيل معاون وزير التجارة الداخلية أن «منح السلات الغذائية له جهات مختصة، بينما عمل الوزارة هو تأمين المواد الأساسية بأسعار مقبولة».

وفيما يتعلق بتوفير سيارات جوالة ترسلها مؤسسات التدخل الإيجابي لمناطق لا توجد فيه صالات لها بحيث يكون ذلك جزءاً من عملها عبر بيع المواد الأساسية للمواطنين بأسعار منافسة ومخفضة، قال الأصيل: إن «السيارات الجولة مرتبطة بموضوع الأمن والأمان، حيث كان مخطط تواجد سيارة أو فتح مركز بكل حديقة ومدرسة، لكن اختلاط الأمور حال دون إمكانية تنفيذ هذا المخطط».

التحكم بالسوق وآلياتها هو الجوهر

والحال كذلك؛ فإن التعويل على نتائج إيجابية من مؤسسات التدخل الإيجابي بظل عدم تملكها كامل وسائل التحكم بالسوق وآلياتها، وخاصة العرض والطلب، أو بالحد الأدنى بسلة السلع والمواد الأساسية لحاجات المستهلك، كماً وسعراً ومواصفةً، ستبقى أسيرة الأماني والرغبات، خاصة مع بحث التاجر المستمر عن أكبر الأرباح، وانضمام هذه المؤسسات إلى أسلوب عمل التجار، بعيداً عن ممارسة دورها التدخلي لضبط إيقاع السوق، وتحولها في معظمها إلى مؤسسات تعمل وفق مبدأ الربح والخسارة ولمصلحة التاجر بشكل خاص، على اعتباره مورداً للسلع والمواد التي تتعامل بها هذه المؤسسات.

على ذلك سيبقى المواطن السوري يواجه وحيداً، نتائج صراع العملة الوطنية مع نظيرتها الأجنبية، كما نتائج تحكم التجار بأسعار السلع وخاصة المواد الأساسية، وما ساعد من تحكم التجار بهذا الجانب يوماً بعد آخر هو التخلي المتعمد للدولة عن جزء هام من دورها، وخاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وهذا تحديداً كان السبب الرئيسي والمباشر لانكفاء دور هذه المؤسسات وتحجيم دورها المفترض، لمصلحة بعض التجار والمستوردين والفاسدين، وهي التي باتت تاجراً مفلساً بين وحوش السوق.