درس من التاريخ ... يجب الحفاظ على حقوق المواطنين تحت سقف حقوق الوطن
كانت إدارة شركة الريجي أيام الاستعمار الفرنسي (المؤسسة العامة للتبغ حالياً) تمتلك الإمكانات الكبيرة في محافظة اللاذقية، وقد استغل الفرنسيون هذه الإمكانات من أجل تسخيرها لتدعيم قواعد استعمارهم. وفي غمرة الصراع والتوتر بين الشعب السوري والاستعمار الفرنسي نتيجة نكوثه بوعوده من الاستقلال الكلي إلى الاستقلال الجزئي والمنقوص، وفي إطار نقل المصالح المشتركة من الفرنسيين إلى الحكومة الوطنية في سورية، تمت تسمية (أحمد السياف) من حلب لإدارة الفرع الإقليمي لشركة الريجي في اللاذقية عام 1945، كأول مدير وطني لهذه الشركة التي كان ما يزال مديرها العام فرنسياً ومقره بيروت.
وكان أول تدبير اتخذه المدير الجديد إنزال علم فرنسا ليحل محله العلم السوري، وسط عاصفة من الرصاص والزغاريد، والتدبير الثاني هو إلغاء التعامل باللغة الفرنسية (وكانت اللغة الرسمية في العمل) لتعود مجدداً وتحتل مكانها اللغة العربية، محتفظاً باللغة الفرنسية لغة تخاطب حصراً بين المديرية والإدارة العامة. في تلك الفترة الانتقالية بين الانتداب والاستقلال، وقرار جلاء الجيوش الأجنبية عن سورية، وانشغال الحكومة في تدعيم وصيانة البلاد في هذه المرحلة، أخذ المزارعون في مختلف المناطق بالتوسع في زراعة التبغ بمساحات تعادل المساحات المرخصة والمحددة بما يحتاجه الاستهلاك المحلي. وقد انعكس هذا التوسع سلبياً على موارد الدولة من عائدات إدارة الريجي، باعتبار أن الكميات الزائدة ستصرف عن طريق التهريب، ما دفع (كوتوريية) المدير العام للريجي إلى إنذار الحكومة السورية بتدهور عائداتها من التبغ طالباً إما إتلاف الزراعة الزائدة عن الترخيص، أو إعفاءه عن مسؤولية تدهور العائدات. فشكلت لجنة من مدير الريجي في اللاذقية (أحمد السياف) ومدير الزراعة في المديرية العامة (أنطوان لبكي) ومدير دمشق (عزت دياب) للاجتماع بوزير المالية (حسن جبارة) في دمشق لمناقشة الموضوع، مع التمسك بإصرار الإدارة العامة على تنفيذ أحد الشرطين السابقين. وبعد التبرير والإصرار على إتلاف المحصول من الإدارة، تحدث مدير الريجي (أحمد السياف) موجهاً كلامه لوزير المالية: «إن السيد كوتوريية بصفته مديراً عاماً للريجي له الحق، حرصا منه على ديمومة بل وارتقاء عائدات التبغ، بأن يقدم احترازه هذا الذي نحن بصدده، والمتمثل بطلب إتلاف الزراعة الزائدة عن الترخيص، أو عدم مسؤوليته عن هبوط واردات التبغ، وإن لإدارة الحصر الحق بأن تتقدم بالتحفظات التي أبدتها، لأن المساحات الزائدة للزراعة ستنعكس تبغاً معداً للتهريب، وهذا ما يسبب تدهوراً في عائدات إدارة الحصر، فإذا ما اتخذت هذا الموقف فهي معذورة، كما أن إدارة الريجي وضعت الحكومة في موقف حرج جداً، فإن أقدمت الحكومة دفاعاً عن مواردها على إتلاف الزراعة الزائدة، فإنها ستضع نفسها في موقع يدفع المواطنين إلى إجراء مفاضلة بين عهد الانتداب الذي لم يتخذ إجراءً مماثلاً وعهد الحكم الوطني الملبي لطلب الريجي بإتلاف محاصيل المزارعين، فالحل هو أن تجري على المساحات الزائدة الإجراءات نفسها المتوجب اتخاذها على المساحات المرخصة، من حيث المسح والوزن والتخزين وتخمين القيم، على أن تخصَّص مستودعات خاصة لتخزين هذه التبوغ بعد إجراء العمليات الرسمية عليها، على أن يدفع للمزارعين %50 من القيمة المخمنة لمحصولهم، بينما تبقى الـ %50 الباقية برسم التصدير. وبذلك نكون قد حفظنا واردات الدولة، وصُنَّا حقوق المزارعين، وجنبنا الحكومة من التورط في منزلق خطير، وتركنا للاستقلال قدسيته. ■■
|