غابات.. وقلوب تحترق
اعتباراً من تاريخ 19/4/2016 ولمدة عشرة أيام بلياليها والنيران تلتهم الغابات المحيطة بمصياف، حيث امتد الحريق واتسع ليأت على مئات الدونمات، وآلاف الأشجار، من سنديان وصنوبر وقطرب ودلب وخروب وعزر وأرز، عمر بعضها مئات السنين، مع خسائر كبيرة في الثروة الحراجية في المنطقة الممتدة من حير عباس إلى قرى البيضة وبستان الفندارة والشمسية وغيرها.
الألم اعتصر قلوب الأهالي في تلك المناطق، وخاصة بعد كل إعلان عن إعادة اشتعال النيران مرة أخرى، أو اشتعالها في منطقة جديدة، ويوماً بعد آخر طيلة الأيام المنصرمة وهم يستذكرون الحرائق المفتعلة كلها خلال السنوات الفائتة في هذه الغابات أو سواها، والتي استفاد منها بعض الراغبين في الاستيلاء على الأرض من المتنفذين هنا وهناك، أو بعض تجار الأخشاب والفحم، الذين لا يعنيهم إلا ما يدخل جيوبهم من أرباح على حساب الطبيعة والبيئة والبشر، وهم يتساءلون عن كيفية حماية ما تبقى من هذه الغابات من هذه الأيادي العابثة، وكيف ومتى ستتم محاسبة هؤلاء؟
مسلسل لا ينتهي
على مدى أعوام لم تتوقف مسلسلات الحرائق في الغابات والأحراج، حيث تلتهم كل عام آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية والغابات، وفي كل مرة تقيد تلك الحرائق ضد مجهول، ولن يكون هذا الحريق هو الأخير في هذه السلسلة من الحرائق التي أشار أهالي المنطقة على أنها مفتعلة، وهذا ما أكده مدير زراعة حماة عبر وسائل الإعلام حيث قال: «الحرائق الثلاثة التي حدثت كلها مفتعلة، والحريق دمر 3000 شجرة صنوبر عمرها آلاف السنين»، موضحاً أن «الحريق اندلع الساعة 12 ليلاً من يوم الخميس 21/4/2016، وتمت السيطرة عليه فيما اندلعت الحرائق الأخرى بعدها»، مشيراً إلى أن «المسؤولين عن هذه الحرائق بعضهم من المجموعات الإرهابية التي تتسلل إلى الحراج الآمنة، والبعض الآخر من المنتفعين الذين يقومون بهذه الممارسات بهدف التحطيب والتفحيم».
وقد شب الحريق الأول في الغابات القريبة من قرية البيضة القريبة من قرية البستان، حيث استمر لمدة يومين متتاليين، والحريق الثاني كان في غابات مصياف في منطقة حير عباس وقرى البيضة وبستان الفندارة والشمسية، حيث كان أكبر من الأول، وقد سبق الحريقين حريق بتاريخ 19/4/2016 في الحليمات وطريق المشهد العالي، وقد كان لهبوب الرياح واشتدادها ووعورة التضاريس سبباً إضافياً لامتداد النيران وصعوبة تطويقها، حسب ما أفاد به رئيس مركز إطفاء مصياف في حديث سابق لوسائل الاعلام.
700 دونم مكاسب وفساد
وقد قدر رئيس مصلحة زراعة مصياف أن المساحة التي التهمتها النيران تقدر بـ700 دونم، كما قال رئيس شعبة الحراج فيها أن الحريق من النوع التاجي ووصل ارتفاعه إلى 50 متراً، وخطورته تكمن بنشوبه بمنطقة حراجية مليئة بالصنوبريات والأشجار الباسقة المعمرة.
حرائق الغابات المفتعلة تعتبر جرائم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث لا خسارة يمكن أن تعادل خسارة الغابات أو التعويض عنها، وتحتاج الغابات إلى عشرات، بل ومئات، السنين لتعويضها، ناهيك عن انعكاساتها البيئية والاقتصادية والطبية والعلمية وحتى الترفيهية.
وقد ازدادت ونشطت خلال السنوات الماضية الاعتداءات على الغابات والمناطق الحراجية، وذلك ممن استغل ظروف الحرب والأزمة والوضع الأمني المنفلت، وذلك لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية آنية أو مستقبلية، اعتباراً من قطع الأشجار للاحتطاب، بغاية التدفئة بظل ارتفاع أسعار المحروقات وغيابها، مروراً بالإتجار بأخشابها بالسوق السوداء وحتى تهريب جزء منها خارج الحدود، وليس انتهاءً بافتعال الحرائق بغاية الاستفادة من الفحم اتجاراً، ومن الأرض توسعة، لحساب البعض من الفاسدين والمتنفذين.
الحفاظ على الغابات واجب وطني
موضوع الاعتداء الجائر على الغابات ليس وليد الأزمة والحرب والإرهابيين، كما يحلو للبعض تسويقه من قبيل التهرب من المسؤوليات، بل سبقها بأعوام، وبالتالي لا يمكن الأخذ بهذا التبرير، مع إدراكنا بأنه قد يكون ازداد بسببها واستغلالاً لظروفها، ما يعني أن موضوع الحفاظ على الغابات والحراج ومنع التعديات عليها ومحاسبة الفاعلين والمستفيدين منها على اختلافهم وتنوعهم، تعتبر واحدة من المهام الوطنية واجبة التنفيذ والمتابعة الجدية، ولعل ذلك يبدأ بتأمين المستلزمات والتجهيزات الكفيلة بتطويق الحرائق ومنع انتشارها، مع تأهيل وتدريب الكادر الكافي من العاملين بمجال المراقبة والمتابعة للغابات والأحراج، مع إعادة النظر بالقوانين والتعليمات الناظمة لقمع المخالفات والتعديات والجرائم بحق الغابات والأحراج، وبما يحقق الردع الفعلي لتلك المخالفات والجرائم، مع السعي من أجل توسيع الرقعة الحراجية عبر زيادة المساحات المزروعة، وإعادة تشكيل وتكوين الغابات والأحراج والمحميات، الطبيعية والصناعية.