تجارة الأعضاء جهراً في دمشق!.. عصابات تشيّد جسراً من قطع السوريين إلى الخارج!
«نشب خلاف بين السائق وأحد الركاب الذي كان يسعى جاهداً لإسكات السائق بقوله: مللت من حديثك، استحي من نفسك ولا تتكلم بالموضوع، بهذه الأثناء، صعدت في التكسي المتجه نحو شارع الثورة من منطقة برنية حوالي الساعة الثالثة ظهراً، لأني لم أجد وسيلة نقل أخرى»، بحسب حسام.
يقول حسام: «الزبون الأول الذي صعد قبله في التكسي، كان يوبخ السائق لمجرد سؤاله إن كان يريد بيع إحدى كليتيه!. الزبون الأول لم يتمالك أعصابه، وبدى خائفاً على بعد أمتار من الحاجز، وكأنه شعر بأن السائق يريد ايقاعه بالفخ أو ما شابه، هنا، انتظرت حتى انتهينا من إجراءات الحاجز الأمني، وفتحت برنامج تسجيل الصوت في هاتفي الجوال، وبدأت استجواب الرجلين حول الإشكال الذي دار بينهما».
كان حسام مصدوماً، يحاول استيعاب ما يحدث، فسأل السائق: «ألم تجد من يبيعك كليته؟»، فأجابه السائق «أولاد الحلال كثر، أسأل كل الزبائن التي تصعد معي علّني أجد أحدهم»، هنا عاد حسام ليسأل «ولما لا تسأل في المشافي عن كلى، أليست فرص الحصول هناك أفضل من التكسي؟» لكنه لم يحصل على جواب!.
مازال حسام وفقاً للرواية التي تحدث بها لقاسيون، يحاول الوصول إلى المبلغ الذي يريد السائق دفعه للزبون، إلا أن السائق بدأ يلتف على القضية وكأنه شعر بشيء غريب، أو ربما «لأن زبوناً ثالثاً صعد معنا، فقد بدأ السائق يغير الرواية التي تحدث بها مع الزبون الأول، الذي أنهى بدوره الحديث باللهجة العراقية قائلاً: أنا مريض كلى، ولا أستطيع بيعك كلية وأنا بحاجة لواحدة أصلاً، فأرجوك كف عن الحديث بهذه القضية».
السائق بدأ يتراجع عن العرض الذي قدمه للرجل العراقي، والذي لم يعرف تفاصيله حسام سوى أنه أراد شراء كليته، وأخذ يبرر بطريقة أخرى «أريد متبرعاً لزبون كان معي قبل قليل، وهو من طلب مني أن أسأل له عن (متبرع ابن حلال)، ولو كانت زمرة دمي مطابقة لوهبته كليتي مجاناً، فهو عجوز في الـ80 من عمره ونازح من دير الزور». قاطعه حسام قائلاً «ثمانيني ويريد زرع كلية؟.. فأجاب السائق: لا... الكلية لابنه وليست له، ابنه في الـ20 من عمره»...
ماذا تخفي الملصقات؟
«كان الحديث صادماً بالنسبة لي، إنها تجارة أعضاء علنية وعلى الملأ» يقول حسام، فقد تكون الحال الاقتصادية الصعبة بل المزرية التي يعيشها المواطن السوري سبباً لسعيه نحو الأعمال غير القانونية، وإلحاحه للحصول على المال بأية وسيلة، ولو جاهر بذلك مجاهرةً، كي يستمر على قيد الحياة، وربما ما يشجعه في ذلك أيضاً شبه انعدام الرقابة من قبل الأجهزة المعنية.
منظمة «الأونروا» نشرت تقريراً العام الماضي، قال: إن معدل الفقر لدى السوريين ارتفع حينها إلى 82.5% نهاية 2014، بعد أن كانت نسبة الفقر 64.8% في 2013، وذكر التقرير أن من نتائج هذا الوضع «ظهور العصابات المجرمة العابرة للحدود إلى حيز الوجود، وراحت تنخرط بالإتجار بالبشر».
نزل حسام من السيارة في شارع الثورة، وهناك، بدأت تلفت انتباهه تلك الملصقات المنتشرة في كل مكان، والتي تطلب «متبرعين بالكلى» مع رقم هاتف صريح، وهناك المئات من تلك الملصقات منها وضع أمام المؤسسات الحكومية دون خوف، كمقر محافظة دمشق، أو قرب حاجز أمني، والقصد من ذلك قد يكون ضمان تعرض أكبر عدد ممكن من الأشخاص للإعلان، لكن دون أية رقابة.
الغريب في تلك الملصقات التي قد تخفي خلفها عصابات بيع الأعضاء البشرية، أنها لا تخضع لأية رقابة أو متابعة!، ولم يفكر ربما أحدهم سابقاً أن يحاول الاتصال بأرقام الهواتف لمعرفة آلية البيع والشراء، وما هو مصير تلك الأعضاء وإلى أين تذهب؟، وخاصة في الوقت الراهن التي انتعشت به عمليات التهريب، وتورط عصابات في دول الجوار لها أذرع في الداخل السوري بتلك التجارة، نتيجة حالة الفلتان التي تعاني منها الحدود مع تلك الدول.
عابرة للحدود
معاون وزير الداخلية، كشف الأسبوع الماضي عن ضبط إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص حالات تجارة بالكلى على الصعيد الداخلي، وتجارة بالأعضاء بين سورية ودول عربية أخرى، لكنه لم يحدد عددها، ومن جانبه أكد مدير مشفى الأسد الجامعي ضرورة أن يكون هناك لجان تمنع الإتجار بالأعضاء.
وفي بداية العام الماضي، أعلن رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق توثيق أكثر من 18 ألف حالة إتجار بالأعضاء البشرية في سورية، مشيراً إلى أن عدد حالات الإتجار بالأشخاص التي تم ضبطها في العام 2014، بلغت نحو ألف حالة، معظمها لشبكات تعمل خارج البلاد، وتتواصل مع سوريين في الداخل، مشيرة إلى أن نسبة الضحايا من النساء بلغت 60 في المئة من إجمالي الحالات التي تم ضبطها.
وأكد نوفل أن هناك عصابات طبية في سورية تتعامل مع عصابات عربية ودولية للمتاجرة بقرنية العين، تبيع جميع قرنيات العيون، التي حصلت عليها من المواطنين السوريين في الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية، على أساس أنها استوردتها من دول أخرى غير سورية، وبأسعار تصل إلى المليون ونصف المليون ليرة سورية، وقال «هناك آلاف الحالات، لا سيما في بعض المناطق الحدودية وفي مراكز اللجوء».
لبنان
مؤخراً، أعلنت السلطات اللبنانية ضبط شبكة تضم أطباء لبنانيين تبيع الفتيات والأطفال الرضع بالتعاون مع أطباء سوريين، وعلى ذلك قال نقيب أطباء سورية، أنه حتى الشهر الجاري لم يصل أي رد من لبنان حول أسماء الأطباء المتورطين ليتخذ بحقهم ما يلزم من عقوبات، رغم المراسلات المستمرة مع نقابة أطباء لبنان.
وفي منتصف عام 2015 أعلن نقيب أطباء سورية فصل خمسة أطباء وإحالتهم إلى التأديب، لتورطهم في تجارة أعضاء البشر، وجاء في الوثيقة رقم 4/ 3 لعام 2011 صادرة عن مجلس التأديب المركزي لنقابة أطباء سورية، «أن النقابة منعت طبيبين من مزاولة المهنة بشكل نهائي وأحالتهم على القضاء المختص، بعد أن أثبتت التحقيقات انضمامهما إلى شبكة عابرة للحدود، تنقل النساء الحوامل إلى لبنان للولادة، وهناك من ثم يتم بيع المواليد مقابل مبالغ مادية كبيرة، ليتم الإتجار بأعضائهم لاحقاً».
الأردن
عصابات الأعضاء البشرية تستغل حاجة المواطن السوري للمال، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية السيئة سواء داخل البلاد أو خارجها، وهذه الحال التي دفعت «مياس» في الأردن الشهر الماضي، لطلب بيع كليته جهراً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب على صفحة «فيسبوك» تحمل اسم «كلى للبيع» : أنا سوري مقيم في الأردن وصحتي جيدة جداً وزمرة الدم A+ للتواصل هذا رقمي ......».
وبحسب تقديرات وزارة العمل الأردنية، فإن نحو 30,000 من الأطفال السوريين يعملون بشكل غير قانوني في البلاد ويتعرّضون لخطر الإتجار بالبشر، بينما أكدت بيانات وزارة العمل الأردنية أن عدد حالات الإتجار بالبشر قد ارتفع بشكل ملحوظ عام 2014 عن 2013 ضعفين تقريباً، وأن أغلب الضحايا هم لاجئون سوريون أو مصريون أو مغربيون.
العراق
وفي العراق أيضاً، كان هناك متورطون ضمن شبكات الإتجار بالسوريين، فقد أكد فاضل الغراوي عضو مفوضية حقوق الإنسان هناك، وجود عصابات منظمة تقوم وبالاتفاق مع بعض الأطباء، باختطاف أطفال في سورية وخاصة مناطق الشمال وسرقة أعضائهم وهم أحياء لتبيعها في السوق السوداء في تركيا.
وكان تقرير «للمونيتور»، قال إن معظم الأعضاء البشرية التي تشترى، يتم تهريبها من سورية والعراق إلى البلدان المجاورة مثل السعودية أو تركيا، حيث تبيع العصابات بضاعتها للمشترين.
داعش
وعدا عن تلك العصابات المنظمة التي جعلت من أجساد السوريين جسراً دموياً بين الداخل والخارج لكسب الأموال، كانت هناك تجارة منظمة على مستوى أعلى، يقوم بها تنظيم «داعش» الإرهابي، فقد كشفت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، عن أن التنظيم تمكن من ملء خزينة حربه، التي تكلف ملايين الدولارات الأمريكية سنوياً، من مجموعة متنوعة من المصادر الغامضة من بينها إنتاج النفط، والإتجار بالبشر وتهريب المخدرات».
تقرير الـ«ديلي ميل»، أشار إلى أن تنظيم «داعش» يجند أطباء أجانب لاستئصال الأعضاء الداخلية من المقتولين والرهائن الأحياء، من بينهم «أطفال في العراق وسورية».
تركيا
وكشف مركز أبحاث «غلوبال ريسيرش»، بداية العام الحالي، عن إلقاء القبض على تاجر أعضاء «إسرائيلي» ملاحق من الشرطة الدولية (إنتربول) في إحدى دول الجوار السوري.
وأكد المركز أن «بوريس فولفمان»، كان يبيع أعضاء بشرية مأخوذة من سوريين مقابل 70 إلى 100 ألف يورو، كما ورد في نص الاتهام الموجه إليه، فيما كان يدفع للاجئ المتبرع عشرة آلاف يورو فقط.
فهل من بؤس أكبر من ذلك يمكن أن يعبر عن أحد تجليات الإتجار بكارثتنا الإنسانية، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، عبر شبكات التجارة السوداء للفاشية الجديدة؟!.