بعد خمس سنوات من الحرب..  الشائعات تلتهم ما تبقى من أمل

بعد خمس سنوات من الحرب.. الشائعات تلتهم ما تبقى من أمل

أقاويل وشائعات، تحمل بعضها أمنيات بواقع أفضل، بعد أن أنهكت الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات، معيشة الناس، وأثقلت كاهلهم بكل ما للكلمة من معنى، فيما يحمل بعضها الآخر توقعات بالأسوأ، على خلفية اليأس من وجود حكومة قادرة على رفع العبء وتحمل المسؤولية كما يجب تجاه الشعب، حيث باتت التكهنات بقرارات تزيد سوء الحال، دائمة التواتر على أحاديث الشارع.

عودة المقاتل

وأخذت الشائعات في هذه المرة منحى جديداً، ربما يعكس أمنيات ورغبات لدى شريحة واسعة من الشعب، بإنهاء حالة الحرب والقتال، الذي أودى بحياة مئات الآلاف من السوريين، من مختلف الأطراف، وأدخل الحزن إلى كل بيت وعائلة، إما بفقدان أحدهم أو هجرته أو موته.

ومع استمرار المعارك والقتال في مختلف بقاع الوطن، تطلب ذلك التحاق أعداد كبيرة من الشباب بصفوف الجيش، وامتداد حالهم طيلة هذه السنوات، في وضع الاحتفاظ، إذ تداول الناس مؤخراً وعبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وثيقة قيل إنها تحدد مدة الخدمة العسكرية الالزامية مع الاحتفاظ بست سنوات، وانتشرت هذه الشائعة بسرعة كبيرة، وأثلجت قلوباً كثيرة طال انتظارها لمثل هذا القرار، مع وجود مئات الشباب الذين امتدت فترة وجودهم في صفوف الجيش أكثر من هذه الفترة أو مثلها، وينتظرون العودة إلى ذويهم والحياة المدنية لممارستها بكل عاداتها وطقوسها.

ولكن سرعان ما صدر نفي رسمي بخصوص ذلك.

الدولار في الصدارة

أما الحال الاقتصادي، الذي بات يعجز الكلام عن وصف مدى سوئه، فكان له الحصة الأكبر من حجم التوقعات والشائعات، بعضها سلبي والآخر إيجابي، ومع ارتفاع الأسعار الكبير وتناقضه مع الدخل الثابت نظرياً والمتجه للانخفاض فعلياً، في ظل تأثر السوق بشكل مباشر بسعر صرف الدولار المستمر الصعود، إلى مستويات قياسية في السوق الموازية، فقد تناقل فئة من الموظفين الحكوميين، أنباء حول وجود زيادة على الرواتب قريبة تصل إلى حد خمسة آلاف ليرة.

وتعبر مثل هذه الأنباء والأقاويل عن الحاجة الملحة التي يجب ان يتنبه لها المعنيون، والتي تفترض تحسين واقع الرواتب الذي لا يسد حتى نصف المبلغ اللازم لنفقات الأسرة في شهر، وجعل من تلبية الحاجات الأساسية وحدها أمراً عسيراً، مالم يتوفر مصدر رزق ثان على الأقل لكل عائلة.

رفع رواتب وزيادة ضرائبها.. 

ويبلغ وسطي الرواتب حالياً في سوريا للعاملين في القطاعين العام والخاص 26.500 ألف ليرة سورية، في حين تحتاج الأسرة الواحدة إلى ما لا يقل عن 220 ألف ليرة سورية في الشهر حسب مؤشر قاسيون، بينما أوضحت دراسة حديثة أن حوالي 85% من السوريين باتوا تحت خط الفقر المدقع، ما يعني دق ناقوس الخطر، مما قد تؤول إليه الحال بأولئك، والنتائج السلبية المترتبة على هذا الواقع.

بالمقابل، برزت إلى الواجهة، شائعات عن رفع الضرائب على الرواتب والأجور، حيث تناقلت وسائل إعلام محلية أنباء تشير لوجود دراسة تتضمن زيادة الضرائب على ذوي الدخل المحدود، لكن هذه الشائعة سرعان ما وجدت من يوضح حقيقتها وينهي حالة «القال والقيل» عنها، إذ نفى معاون وزير المالية جمال مدلجي الشائعة جملة وتفصيلاً.

«كوما» السوق

ارتفاع الأسعار وانخفاضه، توفر المواد وفقدانها، بات هماً لا يفارق المواطن في سورية، حيث يتوقع كل فرد أن ينام على حال، ويستيقظ على أخرى، بسبب الفلتان في الأسواق، والقفزات المتتالية السريعة لمستويات الأسعار، وذلك كله مرتبط بشكل وثيق بسعر الدولار، الذي يعتبر مؤشراً للأسعار، حيث انتشر التعامل به رغم أنه ممنوع قانوناً، إلا أن كثيراً من التجار باتوا يفرضون التعامل بالدولار تفادياً للخسارة, أو يعمدون إلى تغيير أسعار بضائعهم يومياً، أو ما يسمى بتحديث الأسعار، تماشياً مع سعر العملة الصعبة.

وفي خضم حالة الخلخلة التي تشهدها السوق السوداء التي عقبت تسجيل الدولار لأعلى سعر في تاريخه متجاوزاً الـ520 ليرة، واجه السوق حالة من الركود وقلة في العرض مع الحفاظ على ارتفاع السعر دون وجود تعاملات فعلية من بيع وشراء للدولار، إلا أن السياسة النقدية التي يتبعها مصرف سورية المركزي، واستمراره بإطلاق الوعود والتهديدات بهدف ضبط السوق وخفض سعر الصرف، دون تطبيق فعال لذلك، أصابت السوق بحالة من الجمود، مع بقاء التوقعات باستمرار ارتفاع السعر، حتى لو انخفض قليلاً، إذ يؤكد التجار أن سعر الدولار قد ينخفض قليلاً، عقب تدخل المركزي، إلا أنه سيعاود الارتفاع بعد ذلك.

وتؤدي مثل هذه الحالة إلى تخبط السوق والسلع، وإحجام بعض التجار عن بيع بضائعهم، بانتظار وضوح الصورة، فضلاً عن انتشار القلق من المواطنين من تبعات الوضع، خاصة بعد أن فقدت العملة كثيراً من قيمتها، ولجأ الكثيرون إلى استبدال مدخراتهم من الليرة السورية بالدولار أو الذهب.

أساسي في كل موسم

أما فيما يخص المشتقات النفطية، لم تخل موجة الشائعات من ذكرها هذه المرة أيضاً، حيث اشتكى العديد من امتناع محطات وقود معينة من بيع مادة البنزين، إثر انتشار شائعة تفيد برفع السعر قريباً من 160 إلى 190 ليرة، وتحديداً بعد كشف الحكومة عن ربطها سعر البنزين محلياً بسعره العالمي، وهو ما يعني تأثره بالسوق سواء ارتفع سعره أو انخفض، إلا أن حقيقة الوضع في سورية، لا تشهد سوى ارتفاعاً لسعر البنزين، بينما اقتصر التخفيض على مرات محدودة وبشكل يوصف بـ»الرمزي»، عند مقارنته مع الارتفاع.

وطالما ربطت الحكومة متمثلة بوزارة النفط ووزارة التجارة الداخلية سعر البنزين بالسوق العالمية، فهذا لا يبشر بالخير إطلاقاً، خصوصا مع مواصلة الليرة انخفاضها أمام الدولار، مع العلم أن مادة البنزين مستوردة وسينعكس أي تدهور في وضع الليرة أمام الدولار على سعر المادة محلياً.

ومن المتوقع أن مصدر الشائعة القائلة برفع سعر البنزين، هو التأزم الحاد في سعر صرف الليرة السورية، سواء في السوق الموازية، أو لدى المصرف المركزي، الذي يستمر في اللحاق بسعر السوداء، ورفع سعر الصرف في نشراته كافة، عوضاً عن القيام بدور الضابط والمسيطر، بفرض خفض السعر على المضاربين والتجار.

هل من مستفيد؟

وليس خفياً على أحد، انه «لا دخان بلا نار»، وكثيراً ما انتشرت شائعات قبل صدور قرارات رسمية تثبتها، حيث يعتبر المواطنون، أن الحكومة تعمل على اختبار ردود الأفعال أو ما يسمى بـ»جس النبض» قبل تعميم قراراتها، وخاصة ما يمس منها معيشة المواطن، في حين تقف فئة مستفيدة وراء كل شائعة، من كبار التجار والمستوردين وتجار الأزمة والفاسدين، وتعمل على استغلال آثارها لصالحها، وعلى سبيل المثال، توقف بعض محطات الوقود عن بيع المادة للمواطنين، وبث شائعات رفع الأسعار لتحقيق أرباح أكبر، وهو ما ينطبق على عديد من السلع والبضائع التي تشهد حالة من الندرة والقلة في السوق، تمهيداً لرفع سعرها، نظراً لما يسببه فقدانها من الأسواق، من ازدياد في الطلب عليها وظهور الحاجة لدى المواطنين لتلك المادة، ما يهيئ الوضع لزيادة سعرها إثر ذلك.