(الفاو) تقرع جرس الإنذار
نوار دمشقي نوار دمشقي

(الفاو) تقرع جرس الإنذار

بسبب الظروف التي تشهدها البلاد منذ خمسة أعوام، زادت هموم المزارعين وتفاقمت، وخاصة مع ارتفاع معدلات خساراتهم بشكل كبير، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل لم يسبق له مثيل، مع عدم تمكن غالبيتهم من جني محاصيلهم.

 

ويضاف إلى ذلك الصعوبات المتمثلة في تسويق تلك المحاصيل، وتحكم التجار والسماسرة بذلك، ناهيك عن واقع التشرد والنزوح واللجوء الذي عانى منه وما زال الكثير من منتجي الثروة الغذائية، النباتية والحيوانية، وغيرهم من السوريين، كما عانى من نتائجه بقية المواطنين على امتداد الجغرافيا السورية.

ملايين السوريين يعانون الجوع

وحسب أحد تقارير منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» التابعة للأمم المتحدة، فإن أثر سنوات الحرب كان مدمراً للقطاع الزراعي السوري، حيث شملت تلك الحرب معظم المناطق الريفية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للموارد الغذائية، حيث دمر العنف البنية التحتية للزراعة، كما أدى إلى تشريد المزارعين ومربي الثروة الحيوانية، وبالتالي عدم تمكنهم من الوصول إلى حقولهم ومواشيهم.

ومع ارتفاع أسعار مدخلات عملية الإنتاج الزراعي، من سماد وغيره، بالتوازي مع الخطر الذي يتهدد الإنتاج الحيواني، من جراء ارتفاع أسعار العلف، والافتقار إلى الخدمات البيطرية، بما يعنيه من زيادة في خطر الأمراض الحيوانية التي يمكن أن تنتشر إقليمياً، ذلك كله أدى إلى زيادة في تكاليف الإنتاج الزراعي والحيواني. ومع ضياع الفرص التجارية عبر الحدود، فإن خسائر كبيرة في الإيرادات قد وقعت.

كما أشار التقرير بأنه، ومنذ آذار 2011، حصد العنف في سورية مئات الآلاف من الأرواح، وأصيب عدد لا يحصى من المدنيين، وقد هرب أكثر من نصف السكان من منازلهم، حيث بلغ عدد النازحين داخلاً ما يقارب 7.6 مليون سوري، وما يقارب 4 مليون لاجئ في دول الجوار والعالم. 

وذكر كذلك، بأن حوالي 9.8 مليون سوري في الداخل يعانون من انعدام الأمن الغذائي (الجوع)، كما أن موارد الحكومات والمجتمعات المضيفة للاجئين في دول الجوار لا تفي احتياجات هؤلاء.

ومع ذلك يشير التقرير إلى أن الزراعة مازالت هي العمود الفقري لسبل العيش الريفية، كما تحافظ على الإمداد الغذائي في البلاد.

السمسرة وهجرة الزراعة

واقع الحال يقول: أن جزءاً كبيراً من الأراضي الزراعية والعاملين بها، قد خرجوا من الخدمة، نتيجة الحرب المدمرة وآثارها حتى الآن، كما أن واقع حال المزارعين يقول أن ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة تأمين مستلزماته، بالمقارنة مع عائداته، أدى إلى تدني مكتسباتهم، حتى بلغت حدود الخسائر، حيث تبدأ معاناة هؤلاء اعتباراً من غلاء الأسمدة، مروراً بانقطاع مياه الري وانعدام توفر المحروقات اللازمة لتشغيل المحركات، لتصل إلى الآفات الزراعية والتعرض للنصب أحياناً عند شراء المبيدات الفاسدة، وهي لا تنتهي أخيراً بالوقوع بأيدي المبتزين من التجار، الذين يشترون المحاصيل بأقل من التكلفة.

ولعل مواسم التفاح والحمضيات وغيرها، دليل على ذلك، خاصة عندما يرون جهدهم وعرقهم مستباحاً، برؤية الأسعار المرتفعة التي تباع فيها محاصيلهم في الأسواق، في حين أن عائدية تلك الأرباح «غير النظامية» تذهب لجيوب التجار والسماسرة، على حسابهم، كما على حساب المواطنين، مما أدى عملياً إلى ابتعاد البعض منهم عن العمل بميدان الزراعة، متوجهاً إلى ميادين عمل أخرى، الأمر الذي يعني خروج المزيد من الأراضي الزراعية والعاملين بها من الخدمة.

سياسات مساهمة بالجوع

الإنتاج الزراعي في سورية يعتبر أحد ركائز البنية الاقتصادية العامة فيها، وهو ثروة وطنية هامة، من (أقماح وأقطان وشوندر سكري وحمضيات وزيتون وتفاح، بالإضافة إلى الخضار المتنوعة والعديدة، والأشجار المثمرة الأخرى). وإذا ما أضفنا إليه الإنتاج الحيواني، مع الصناعات المرتبطة بهما، وتعداد العاملين في هذه الميادين الزراعية والصناعية، والمستفيدين المباشرين منها من عموم المواطنين، يتضح جلياً ارتباط هذا الإنتاج بالأمن الغذائي العام، وبالتالي بالأمن الوطني، بالمفهوم الأوسع.

على ذلك فإن الاهتمام بالإنتاج الزراعي والحيواني، وبالزراعة والمزارعين، ومعالجة همومهم ومعاناتهم وقضاياهم، ليس ترفاً، كما أنه ليس بوابة للمزاودة بعدد الاجتماعات التي تعقد تحت أنظار الإعلام والصور التذكارية، والقرارات والتوصيات والتوجيهات التي تصدر عبرها، تحت تلك العناوين، دون أية نتائج إيجابية حقيقية يلمسها المزارع بشكل عملي ومباشر، خاصة وأن تعداد من يعانون الجوع نتيجة انعدام الأمن الغذائي وصل إلى 10 مليون سوري تقريباً، بحسب تقرير الفاو آنف الذكر، الذي قرأناه كجرس إنذار! فكيف قرأه الأخرون، المسؤولون عن وضع السياسات والاستراتيجيات، وكيف سيتصرفون حياله؟ خاصة بعد أن ثبت بأن تلك السياسات التي تم اتباعها خلال السنوات المنصرمة، هي التي ساهمت في انفجار الأزمة الراهنة، وكرست ما وصل إليه المواطن من جوع، بالشراكة مع آثار الحرب وتداعياتها.