حرف منسيّ وكلمات
عادل حسين عادل حسين

حرف منسيّ وكلمات

بين الحين والآخر تنشط عناصر الجهات الرقابية الرسمية المختلفة على الطرقات ومفارقها وفي الأسواق، مثل عناصر شرطة المكافحة التابعة للجمارك في الأسواق، وشرطة المرور ودوريات التموين، وشرطة البلديات، وغيرها من أجهزة الرقابة العديدة في البلد، التي من واجبها بالنتيجة حماية مصلحة المواطن والوطن، حسب مهامها المنصوص عنها قانوناً.

كما ونتابع التصريحات حول أداء كل جهاز من هذه الأجهزة، عبر العديد من المسؤولين المباشرين عن أدائها ومراقبتها، اعتباراً من عدد المخالفات المضبوطة عبرها، مروراً بعدد الضبوط المنظمة من قبل كل منها، وليس انتهاءً بالعائدات المالية التي تتم جبايتها عبر تلك الأجهزة، بعددها وعديدها، والتنافس على جباية أكبر قدر ممكن من العائدات، وخاصة خلال الربع الرابع من كل عام، وكأن الموضوع هو «خسكار» أو غلة موسمية سنوية واجبة التحصيل للخزينة عبر هذه الأجهزة.

ولكن بين المتابعة بالتصريحات وحقيقة الواقع نجد هناك بوناً شاسعاً، حيث من المتوقع بموجب البيانات الإحصائية أن يكون واقع حالنا، على مستوى ضبط المخالفات وقمع المخالفين، أفضل بكثير مما نراه ونشهده واقعاً، حيث ما زال الواقع منفلتاً بالمخالفات على جميع المستويات، بل إن معدلات ازديادها ملموسة يومياً من قبل المواطنين، كما من قبل المسؤولين عن تلك الأجهزة نفسها، الذين يؤكدون، عبر تعاميمهم للجهات التابعة، بضرورة التشدد بالمراقبة وقمع المخالفات.

المصائب الكبيرة من فوق..

وبعيداً عن كل ما يقال أو يشاع ويتم تداوله، من مبررات ومسوغات، عن أسباب استشراء حالة الفلتان بالمخالفات، التي يتم الحديث عنها هنا وهناك، من نقص بتعداد العناصر أو قصور ببعض القوانين أو ظاهرة الفساد بين  بعض العناصر المكلفة بالرقابة، وغيرها من المبررات المعلنة، رغم صحتها، وخاصة ظاهرة الفساد وتفشيها، تبقى الحقيقة الغائبة والمغيبة عمداً، ألا وهي أن كل تلك الأجهزة الرقابية تمارس دورها الرقابي على الحلقات الصغيرة والأضعف في سلسلة المخالفات، وبالتالي فإن غالبية من يقع عليهم الحد الرقابي هم من المواطنين البسطاء، هذا لاينفي طبعاً ضرورة أن يطال هذا الحد كل المخالفين، بل ما يجب أن يكون هو أن تطال حدود الرقابة كل سلسلة المخالفات، وخاصة بحلقاتها الكبيرة، من حيتان الفساد الكبير، من المهربين والتجار الكبار والمستوردين، وغيرهم من الكبار، حسب تعبير أحد المواطنين؛ (المصائب الكبيرة من فوق)، ممن يغيبون عن أعين الرقابة والمحاسبة.

علماً أن بعض عناصر أجهزة الرقابة تعرف الكثيرين من هؤلاء المخالفين الكبار، ولكنهم لا يجرؤون على الاقتراب منهم، فكيف بتنظيمهم مخالفة أو كتابة ضبط بأسمائهم، وذلك كونهم محميين من بعض المتنفذين أو محسوبين عليهم، إن لم تكن هناك شراكة غير معلنة فيما بينهم.

على سبيل المثال هناك العديد من المخالفات المنظمة بحق بائعي المفرق الصغار، من قبل عناصر التموين، بسبب سعر مرتفع أو عدم المطابقة بالمواصفة لسلع معينة، ولم نسمع عن متابعات جرت لمخالفة كبار التجار والمستوردين لتلك المواد والسلع، رغم سهولة التعرف عليهم، كما هناك العديد من الضبوط المنظمة بحق البعض لبيعهم مواد مهربة داخل الأسواق، من قبل عناصر المكافحة، ولم نجد على الأغلب متابعة لضبط المهربين الأصليين وشركائهم الذين أوصلوا تلك المواد عبر الحدود لداخل الأسواق، أيضاً رغم معرفة وشهرة العديد منهم، كذلك الحال بالنسبة لشرطة المرور، حيث غالبية المخالفات تطال سائقي التكاسي والسرافيس، علماً أن هناك العديد من السيارات الخاصة المخالفة التي تسير بالشوارع دون لوحات أو بزجاج معتم أسود، وسواها من المخالفات التي لايراها شرطي المرور، وغيرها العديد من الأمثلة التي تشير وتؤكد أن البسطاء دائماً هم الحلقة الأضعف في سلسلة ضبط المخالفات.

معيشة المواطن كبش الفداء

علماً وبنهاية المطاف، فإن كل العائدات المالية التي يتم الحديث والتبجح بها وجبايتها سيكون مصدرها جيب المواطن أولاً وآخراً، حيث كل من هؤلاء الذين يتم ضبطهم وسيتكبدون نفقة مالية جراء تحصيل قيمة المخالفة منهم، سيعوضونها من المواطن، حيث ستكون جيبه هي كبش الفداء بالمآل، وهم بذلك لن يكونوا أكثر إنصافاً بحق المواطن من الحكومة، التي تمارس عملياً الدور نفسه على مستوى جيب المواطن ومعيشته التي باتت الحرف الساقط من الكلمات والبيانات والتصريحات والواقع.

آخر تعديل على الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2015 11:40