مدينة التل.. المعاناة في ظل الحصار
حتى تاريخه، تجاوز الحصار المفروض على أهالي مدينة التل بريف دمشق الشهر الثالث، وإلى الآن لا أحد يعرف متى سيفتح الطريق، ويبقى أكثر من 800 ألف نسمة (من أهالي المدينة، والوافدين إليها نزوحاً من مناطق منكوبة أخرى)، مصيرهم مجهولاً.
إذا كان تصرف الجماعات المسلحة، وخاصة ما يسمى (جبهة النصرة)، هو الذي أدى إلى إغلاق الطريق وحصار المدينة، فما زالت حتى اللحظة هذه المجموعات تقوم بالخطف والسرقة والاعتداء على المدنيين، وسرقة بيوتهم تحت حجج شتى، وتقوم بترويع الأهالي ليلاً ونهاراً دون رادع ودون أن يتأثروا هم بالحصار.
بل على العكس، فالمسلحون احتياجاتهم مؤمنة، ويحصلون على وجبات غذائية خاصة ومدللة!، والمتضرر الوحيد من هذا الحصار هم المدنيون داخل المدينة، والحصار زاد في معاناتهم، كما يروي العديد من أبناء المدينة.
فمن جهة يتعرضون لإرهاب المجموعات المسلحة، ومن جهة أخرى تقوم الحواجز الرسمية بالتضييق عليهم، وصولاً إلى ما يشبه الحصار، فتمنع إدخال المواد الغذائية، بالإضافة إلى منع وصول المحروقات كالغاز والمازوت، ومنع إدخال الخضار والفواكه، كما ويمنع الناس من الخروج إلى أعمالهم، (عدا الموظفين والطلاب فقط)، حتى أحياناً يمنع هؤلاء من الخروج حسب مزاجية الحاجز, وكذلك المرضى أو من يضطرون، من كبار السن، لمراجعة أطباء خارج المدينة، يمنعون من الخروج أيضاً، ناهيك عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية (حليب الأطفال، أدوية الأمراض المزمنة)، والمراكز الطبية باتت عاجزة عن تقديم خدماتها بشكل جيد، نتيجة لذلك، وكأن العقاب للمدنيين وليس للمسلحين.
لجان المصالحة.. دون تشجيع
مع العلم أن الأهالي ملتفون حول لجنة المصالحة، ويعملون معها على حماية مدينتهم من الإرهاب، حتى أنهم اضطروا للوقوف ضد المسلحين (عزلاً)، عدة مرات.
وعلى سبيل المثال: شكلت لجنة المصالحة بالتعاون مع الأهالي، لجاناً (غير مسلحة)، على مداخل الأحياء لتفتيش السيارات، بعد تعرض المدينة لعدة هجمات بالسيارات المفخخة، أدت لاستشهاد العشرات وجرح المئات، وكان للأهالي دور كبير في منع انفجار المدينة عدة مرات، وتحولها الى ساحة حرب، عندما خرجوا في مظاهرات ضد الجماعات المسلحة، رافعين شعار المصالحة الوطنية.
ومع انسحاب وإغلاق مؤسسات الدولة، قام السكان وبالتعاون مع لجنة المصالحة، بتأسيس لجنة تواصل من أجل حل مشاكل المدينة، وتشكيل لجان أحياء فرعية لتسيير بعض الأمور الخدمية، ابتداءً من تنظيم السير وإنارة الأحياء ليلاً، وحملات تنظيف الشوارع أسبوعياً، وتوزيع مياه الشرب على السكان، وحفر آبار جديدة، إضافة للقيام بدعم الأسر الفقيرة وتوزيع وجبات غذائية يومية عليهم، حسب المتوفر، كمساهمة من أبناء المدينة.
ولكن بدلاً من تشجيع مبادرة هؤلاء، تقوم الجهات الرسمية بحصارهم ومنع إدخال المواد الغذائية إليهم، فالأسواق أصبحت خالية تماماً، والمحال التجارية أغلقت، بسبب عدم توفر البضائع، ووصل سعر ربطة الخبز إلى 500 ليرة وكيلو البندورة مثلاً إلى 300 ليرة والخيار 350 والكوسا إلى 500 ليرة وجرة الغاز 5000 ليرة ونادراً ما يتم الحصول عليها.
بعض الأهالي يقوم اليوم بزراعة بعض الخضار في أحواض زراعية استحدثوها قرب بيوتهم، لتعويض شيء بسيط مما حرموا منه, حتى الموظفين منعوا من إدخال احتياجاتهم معهم، ما عدا ربطة خبز واحدة فقط.
والنزوح ممنوع على الأهالي، وممنوع إخراج أية قطعة أثاث أو ملابس من المدينة، كما لا توجد مواصلات إلى داخلها، مما يضطر الموظفون والطلاب إلى النزول في ساحة معربا، والمشي مسافة 3 كيلومتر، للوصول إلى حدود المدينة فقط, عدا عن توقيفهم على الحواجز لتفتيشهم، والمضايقات التي يتعرضون لها أحياناً، والتي وصلت إلى حد إطلاق الرصاص الحي فوق رؤوسهم، لإخافتهم فقط!، إضافة إلى الإتاوات التي تفرضها بعض الحواجز على الطريق، وطلاب الجامعات لا يسمح لهم بدخول المدينة بعد الساعة 6 مساءً، فيضطرون للمبيت خارجها، والعودة في صباح اليوم التالي.
الهلال والجمعيات خارج الخدمة
المنظمات الإغاثية التي تعمل في مدينة التل، كالهلال الأحمر، انسحبت من داخل المدينة إلى أطرافها في حرنة الشرقية، ولا يخدم الهلال سوى العائلات الوافدة فقط دون أهالي المدينة، بحجة أن شروطه الدولية تفرض عليه مساعدة النازحين فقط!, ومع ذلك لا يقوم بتوزيع الإعانات كاملة، بل يتم توزيع نصف المخصص فقط، والباقي يختفي!، ومن ليس له وساطة لا يستطيع الحصول على إعانته، الناقصة أساساً، ومن لا يملك دفتر عائلة لا يحصل أيضا على معونته، مع العلم أن العديد من الأسر المهجرة لا تملك دفاتر عائلية، بسبب فقدانها في الحرب وأثناء النزوح, كما تم إيقاف دخول المعونات إلى الجمعيات الخيرية الأخرى منذ تاريخ 1/5/2015، وقد كانت هذه الجمعيات تساعد الأسر الوافدة وأهالي المدينة معاً، وهي اليوم تعاني من نقص في وارداتها، وأصبحت لا تخدم سوى 700 عائلة فقط، من كبار السن، ومن ذوي الاحتياجات الخاصة.
المدنيون ضحايا.. تحييدهم واجب
الوضع بات ينذر بأزمة غذائية وصحية وإنسانية عامة بالمدينة، بحال استمرار الحصار المفروض عليها، والتشبث به، وحالة اليأس والتذمر تزداد عند الأهالي يوماً بعد آخر.
إن المطلوب من الجهات الرسمية الكف عن أساليب العقاب الجماعية خاصة وأن الأهالي مع تكريس المصالحات الجارية، والتي يتم خرقها عبر ممارسات «فردية» من هذا الطرف أو ذاك، ولأسباب ومصالح مجهولة غالباً.