«أيلول المرعب»: «المكدوس» و«الأضحى» يهددان طلاب المدارس
كل تلك العوامل تساهم في وضع العام الدراسي هذا العام تحديداً، أمام تحديات كبيرة قد تنتهي «بتسرب كبير لطلاب التعليم الإلزامي» نتيجة الضغوط الاقتصادية الكبيرة على المواطنين، وخاصة بعد ارتفاع الأسعار بنسب كبيرة جداً خلال العام الجاري.
كيف أقنع أولادي؟
أبو بلال، نازح من منطقة داريا إلى دمشق، وهو أب لـ4 أطفال، ثلاثة منهم في التعليم الابتدائي، والرابع في الثانوي، قالها صراحةً «قد اضطر إلى توقيف تعليم اثنان من أطفالي إن بقيت الحال هكذا. لا أستطيع توفير متطلبات العام الدراسي الحالي التي باتت تكلف على الأقل وبأسوأ النوعيات، حوالي 8 آلاف ليرة للطفل الواحد في المرحلة الابتدائية، فما بالك عن الثانوية»؟.
وأردف «شهر أيلول العام الحالي سيكون صاعقة علي وعلى أسر كثيرة أعرفها، كيف لي أن أقنع أولادي بمقاطعة العيد، أو عدم شراء ولو قطعة ملابس واحدة؟. كيف لي أن أقنع طفلاً بأن يذهب إلى المدرسة دون حقيبة، أو دون لباس يخفي حالتنا الفقيرة، وهو اللباس المدرسي الموحد الذي بات سعره غير منطقيٍ».
وتتحدثون عن مجانية التعليم؟!
«اعتادت حكومتنا على رفع الأسعار وإصدار بيانات التبرير وفقاً لما تراه مصلحة خزينتها. لكن جيوبنا التي أفرغت، وراتبنا الشهري الذي فقد قيمته نتيجة قرارات الحكومة المتتالية برفع الأسعار، لا توجد أية جهة رسمية تنظر إليها حتى لو بنظرة شفقة على متسول»، وفقاً لأحد الباعة الجوالين في شارع الحمراء بدمشق، رافضاً تزويدنا باسمه.
وتابع غاضباً «لدي طفلتين وشاب، وجميعهم خارج التعليم منذ عامين. فكيف تسألني اليوم كيف سأتدبر أمورهم في العام الدراسي الحالي؟. لم أر ولا مسؤول تطوع واقترح إعطاءنا ليرة واحدة، ولو لمجرد الاقتراح. لم أسمع عن جلسة في مجلس الشعب قيل فيها يجب أن نؤمن ولو جزءاً من مستلزمات العام الدراسي حرصاً على استمرارية التعليم! وتتحدثون عن مجانية التعليم»!.
«أيلول الأسود».. «من شي قليل عم نهاجر»؟
أعلاه، كان الحديث مركزاً أكثر على العام الدراسي ومستلزماته، ليعود معتز وهو متزوج وله طفلة واحدة، ويشير إلى «أزمة أيلول الأسود» كما سماها تيمناً بلون «الباذنجان» في موسم «المكدوس»، قائلاً «أتتحدثون فقط عن المستلزمات المدرسية!، هناك عيد الأضحى، إن أنفقت 2000 ليرة فقط في اليوم الواحد بين (ضيافة وأكل وشرب ومراجيح لطفلتي)، أحتاج خلال الأربعة أيام إلى 8000 آلاف ليرة، هذا عدا عن الملابس الجديدة التي حذفتها من قائمة أولوياتي».
وتابع «مونة المنزل أثقلت كاهلي، عدا عن الملوخية التي انتهينا منها الشهر الماضي، يعود إلى الواجهة موسم (المكدوس الأسود)، وما أدراك ما قيمة المكدوسة الواحدة هذا العام وتحديداً خلال (أيلول الأسود) ذاته: 4000 آلاف كيلو الجوز، 1000 ليرة الثوم، وكيلو الباذنجان بين 75 و90 ليرة، ولم نتحدث عن زيت الزيتون بعد و(التنكة) اليوم ما بين 13 و20 ألفاً حسب الجودة».
وقال متهكماً «من شي قليل الناس عم تهاجر من البلد، لافينا نتعلم ولا فينا نمون ولا نفرح بالعيد!، ولاراتب محترم.. ليش أنا قاعد هون ما بعرف» وفقاً لحديثه.
نتائج كارثية
وفي عودة للبداية، حذر فعلاً رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني في حديث إذاعي، من نتائج كارثية على العام الدراسي هذا العام نتيجة ارتفاع الأسعار والظروف التي تم التحدث عنها، قائلاً «إن أصرت وزارة التربية هذا العام على لباس مدرسي كامل أو قرطاسية بصفات معينة، قد يؤدي ذلك إلى إجبار الأهالي على الإحجام عن إرسال أولادهم إلى المدارس».
وقال إن «أسعار القرطاسية هذا العام ارتفعت بنسبة 75% عن أسعار العام الماضي، في حين ارتفعت أسعار الملابس المدرسية بنسبة 50%».
مقترحات برسم وزارة التربية
وحول دور الجمعية، نوه دخاخني إلى أنه «تم إرسال طلب لوزارة التربية لعدم التشديد على تقيد الطلاب باللباس المدرسي النظامي في ظل هذا الارتفاع بأسعار الملابس المدرسية، كما طلبنا من الأساتذة تخفيف طلباتهم من القرطاسية، وعدم إلزام الطلاب بأنواع أو كميات معينة من الدفاتر والأقلام، إضافة للسماح للطلاب باستعمال صفحات ورق الدفاتر بالكامل، دون تبذير، إضافة إلى مقترح ببيع القرطاسية في المدارس نفسها مايشكل رقابة مباشرة من قبل الإدارة على الأسعار».
واقترح دخاخني أيضاً، على الأسر، عدم البدء بشراء الحاجيات الدراسية كاملة ريثما تقوم وزارة التربية بالرد على المقترحات، كأن تتساهل بقضية اللباس المدرسي، أو أن تقوم بعض الجمعيات بتوزيع قرطاسية على الأسر المحتاجة.
وأوضح إن «كل طفل بالمرحلة الابتدائية يحتاج لحوالي 10 آلاف ليرة لتأمين حاجاته المدرسية، بينما يحتاج الطالب في المراحل المتقدمة، مبلغاً أكبر من ذلك، وبما لا يقل عن 15 ألف ليرة سورية».
«سندس» ولأول مرة!
لكن قضية العام الدراسي لم تكن بهذا السوء، وفقاً لمؤسسة «سندس» للتدخل الإيجابي، التي أعلنت هذا العام عن أمور وعروض جديدة لم تكن سابقاً، و«منافسة جداً» من حيث الأسعار والجودة على حد تعبير مدير عام المؤسسة عمار محمد، الذي أكد وجود غلاء كبير في الأسواق بخصوص المستلزمات المدرسية، ما حاولت حله المؤسسة عبر عدة أمور.
وقال «إنها المرة الأولى التي نقوم فيها كمؤسسة بتصنيع اللباس المدرسي بالكامل، لمختلف المستويات وقد شاركت شركات ضخمة جداً في صناعتها، من القطن السوري الممتاز والمنافس لأنواع الأقمشة العالمية كافة، لذلك هناك قرار بمنع البيع بالجملة للتجار، رغبة منا في إيصال المنتج للمستهلك مباشرة وبسعر منافس للسوق، وقمنا بافتتاح معارض في صالاتنا منذ 25 آب الحالي تستمر حتى 25 أيلول القادم، مع وجود جاهزية تامة لتلبية حاجة المواطنين بغض النظر عن الكميات»، منوهاً إلى أن «المؤسسة مستعدة لتلبية طلبات الجمعيات الخيرية بأسعار خاصة».
تتحدى بأسعارها
وحول الفرق بين أسعار المنتجات في صالات المؤسسة والسوق، تحدى محمد الأسواق، وأوضح أن «المريول المدرسي يباع في المؤسسة بسعر 950 ليرة سورية، وهي بنوعية ممتازة تنافس ما يوجد في السوق بسعر 2200-2500 ليرة، في حين يوجد في السوق نوعيات رديئة تباع بسعر 1200 ليرة سورية، أما دفتر 50 طبق فيباع في صالاتنا بسعر 45 ليرة بدمشق وبـ47 ليرة في باقي المحافظات، في حين يباع بالسوق بسعر يبدأ من 60 ليرة سورية، علماً أنه لا يوجد دفتر في الصالات سعره يفوق 200 ليرة سورية، إذ نبيع دفتر السلك 70 طبق بسعر 125 ليرة سورية فقط»، مؤكداً وجود «هامش ربح بسيط» للمؤسسة ما يشير فعلاً إلى حجم الاستغلال الذي يمارسه بعض التجار.
وعن أسعار البدلات، قال محمد «يبلغ سعر بدلة الجينز للمرحلة الإعدادية 2000 ليرة سورية، بينما البدلة للمرحلة الثانوية أغلى بقليل، والقميص القطني حوالي 900 ليرة»، بينما تتجاوز أسعار البدلة في السوق الـ4 آلاف ليرة وقد تصل إلى 6 آلاف، والقميص يفوق الـ1500.
وبخصوص أسعار الحقائب، أكد محمد إن «الحقائب منتج محلي، وسعرها يبدأ من 550 ليرة حتى 2200 ليرة للحقيبة المزودة بعجلات والتي تباع بالأسواق بسعر 4000 ليرة وقد تصل إلى 7 آلاف، مشيرا ً لوجود تشكيلة واسعة وضخمة من القرطاسية في صالتي الصالحية والحريقة».
ربما تلعب مؤسسة سندس دوراً ما، في تخفيف الضغط عن بعض الأسر في مدينة دمشق، إلا أنها بالتأكيد لن تكون قادرة على حل المشكلة رغم أسعارها التنافسية، فحتى هذه الأسعار لا تتناسب مع مستوى الدخل للأسر الفقيرة، في ظل الغلاء الذي يعصف بكل شيء، ولا عدد الكوات وصالات البيع كافية، ناهيك عن أن الكثير من صالاتها ومنافذ البيع خرجت عن الخدمة في الكثير من المحافظات والمناطق، إما بسبب وضع الطرقات، أو بسبب التوتر في الكثير من مناطق البلاد، إن تامين مستلزمات التلميذ في بداية العام الدراسي بدعم حكومي، وبالتنسيق المباشر مع وزارة التربية، وعبر إدارات المدارس بشكل مباشر، وبأسعار الكلفة تعتبر اليوم مهمة من الدرجة الأولى، للتخفيف عن الأسر السورية، وحفاظاً على ما تبقى من العملية التعليمية التربوية.