بين الكهرباء والنفط كميات الوقود لا تكفي إلا لـ12 ساعة!
أثارت الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي استياء المواطنين في شهر رمضان، الذي يتميز بطقوسه الخاصة، والتي لعبت الكهرباء دوراً جوهرياً لتعطيلها.
حازم عوض
الأسباب التي تتذرع بها وزارة الكهرباء دائماً، وربما أبداً، هي: انخفاض كمية المحروقات الواردة للمحطات من وزارة النفط والثروة المعدنية، أو حدوث اعتداءات إرهابية من قبل المسلحين على خطوط الطاقة والقدرة، بعد أن أصبحت شماعة الاستجرار غير المشروع، وزيادة الضغط على الشبكة غير مقبولة، فـ(التقصير واضح من قبل وزارة الكهرباء لعدم قيامها بإعادة تأهيل الشبكة بعد حوالي 5 سنوات من الأزمة) بحسب مشتكين.
أغلب من التقتهم (قاسيون) شككوا ببعض تبريرات الوزارة بخصوص زيادة التقنين، حيث قال أحدهم أن (ساعات التقنين تزداد كل مرة بحجة شكل، حتى لو انضرب خط بالصين، بتقطع بالشام.. ما في منطق بالتبرير نهائياً).
أما في العودة للحجة الأولى، وهي قلة المحروقات التي تقدمها وزارة النفط، فيلاحظ وفقاً للشكاوى، أن دخول فصل الصيف، وقلة استخدام المازوت والغاز في التدفئة، عدا عن توفر المادتين في السوق بشكل جيد، بل بشكل ممتاز فيما يتعلق بمادة الغاز بالذات، لم يردع وزارة الكهرباء بتقديم الحجة ذاتها مراراً، والتي قد تكون صحيحة بلغة الأرقام التي سيتم سردها لاحقاً.
رحلة الشتاء والصيف
في الشتاء الماضي وتحديداً في شباط، أكدت وزارة الكهرباء أنه (خلال الفترة ما بين 6 أشهر إلى 9 أشهر، سيتم تحسين الوضع بشكل أفضل، وذلك بعد أن انقضت فترة الذروة الشتوية) على حد تعبيرها، إلا أن ذلك لم يكن ملموساً سوى في بعض أيام فصل الربيع، حتى عاد وضع التيار كفصل الشتاء في بعض الأيام.
قبل بداية شهر رمضان الحالي، أكدت وزارة الكهرباء أنه ستتم إعادة توزيع تقنين الكهرباء ضمن فترة النهار، حتى يتمكن الصائمون من تناول طعام الإفطار والسحور بحضور التيار الكهربائي، وذلك تحقق بداية الشهر حتى نهاية العشر الأول منه، حتى تناول بعض سكان دمشق طعام الإفطار والسحور في الظلام، دون صدور أي تصريح رسمي من الوزارة.
وبعد أن شكلت القضية موجة كبيرة من الاستياء، أعلنت الوزارة عن اعتداء على (خط الغاز المغذي لمحطات توليد الطاقة الكهربائية) دون تحديد مكانه، وقالت إن ذلك (أدى الى توقف بعض هذه المحطات عن العمل وزيادة ساعات التقنين الكهربائي في محافظات المنطقة الجنوبية).
مدة محددة
وغير ثابتة سببت (الشلل)!
وبعد الاعتداء، وبحسب وزارة الكهرباء، سيكون التقنين ضعف الأيام التي سبقت الحدث، أي تقريباً حوالي 16 ساعة في بعض مناطق دمشق، إلا أن المشكلة كانت بمضاعفة التقنين دون جدول معلن، وفي كل يوم يتم التقنين بساعات مختلفة عن سابقه.
الوزارة حددت وسطي ساعات التقنين بعد الاعتداء، إلا أنها لم توزعه بشكل ثابت على فترات النهار دون معرفة السبب، وهذه لم تكن المشكلة الوحيدة. قبل الاعتداء المعلن عنه، وصلت ساعات التقنين في بعض أحياء دمشق إلى 8 ساعات خلال النهار، تبدأ قبل الظهر حتى موعد الافطار، وضمن هذه المدة يأتي التيار ساعتين فقط في أفضل الأحوال، ما خلق صعوبة كبيرة في تحضير أطباق الطعام والقيام بأعمال تنظيف المنزل، إضافة إلى إعاقة أعمال أصحاب المحلات والورش.
تقنين الـ8 ساعات أو الـ16 في بعض المناطق بدمشق، كان أقل بكثير في مناطق أخرى وصلت بها ساعات التقنين بعد الاعتداء إلى 4 ساعات فقط،
الوقود يكفي لـ12 ساعة فقط!
مدير التشغيل بالمؤسسة العامة لنقل الكهرباء، قال في تصريح إذاعي لإحدى الإذاعات المحلية، إن محطات توليد الكهرباء جاهزة كلها للعمل، لكن قدرة مجموعات التوليد تبلغ 7500 ميغا واط، بينما المشغل الفعلي 2200 ميغا واط فقط، أي 29% من الطاقة، نتيجة كمية الوقود الواردة إليها.
ورغم دخول فصل الصيف، الذي استبشر به المواطنون خيراً نتيجة قلة الطلب على المحروقات، على أمل أن ينعكس ذلك إيجاباً على وضع التيار الكهربائي، إلا أن وزارة النفط لم تغير شيئاً في المعادلة، حيث أكد الظاهر أن (كمية الوقود الواردة من وزارة النفط هي نفسها بين الصيف والشتاء، دون أي زيادة).
وأضاف (التقنين ناتج عن انخفاض كمية الوقود وعدم كفاية تلك الكميات للتشغيل، التي من الممكن أن تتفاوت بين يوم وآخر بشكل طفيف).
وبلغة الأرقام، كشف مدير التشغيل إن (كمية الوقود اللازمة لتشغيل محطات التوليد جميعها هي 35 ألف طن مكافئ نفطي، بينما يصلنا حالياً بين 13-15 ألف طن فقط، وهي كافية لتشغيل الطاقة الكهربائية حوالي 12 ساعة باليوم) فقط!.
أما عن التقنين خلال شهر رمضان، أوضح الظاهر إن (الحمل على الشبكة ينخفض نتيجة إغلاق الفعاليات التجارية والصناعية في فترة الفطور، وبالتالي تمكنا من توفير الكهرباء في هذا الوقت، لكن خلال النهار كان هناك ضغط واستهلاك كبير، والتقنين خلال النهار ضروري لتأمينها خلال الفطور وبعده، حيث كنا نبدأ بإرجاع التقنين قبل الفطور بساعتين حسب المتوفر).
مناورة
وأردف الظاهر إنه (بعد الاعتداء الأخير على خط الغاز، الذي يغذي محطات التوليد في دمشق والمنطقة الجنوبية، أدى لفصل تلك المحطات التي تعمل على الغاز، وخرج 800-900 ميغا عن الخدمة، وزادت نسبة التقنين، إلا أن كون الشبكات مربوطة بخطوط توتر عالي، ساعدنا بنقل بعض الطاقة للمنطقة الجنوبية، والتحسن البسيط حالياً ناتج عن عدة إجراءات ومناورات بالشبكة، كما أن عمال الصيانة بوزارة النفط بدؤوا العمل لإصلاح خط الغاز)، لافتاً إلى أنه (في العيد سيكون هناك هبوط أحمال نستفيد منها لتخفيف ساعات التقنين وفق المتاح عبر مناورة للوزارة).
الوزارة.. (كضحية)!
وزارة الكهرباء أساساً (غير معنية بشيء بخصوص التقنين) وفقاً لتصريحاتها، فهي تروج لنفسها على أنها (الضحية) تعاني كما المواطن، من تقصير وزارة النفط وهجمات الإرهاب، وأحياناً تعدي المواطنين على ممتلكاتها، كأن يستجر التيار بطريقة غير شرعية.
وفعلاً، في آخر تصريح للوزارة، أعلنتها صراحةً، بأنها غير معنية بظروف التقنين، ما فتح باب التساؤلات عن مدى التنسيق بين الأطراف المعنية بهذا الصدد، وجدوى خطط وزارة الكهرباء لتحسين وضع التيار – إن وجدت - ، حيث قالت في بيان لها: (نحن كوزارة كهرباء، غير مسؤولين عن إيصال الغاز للمحطات، ولا نستطيع حماية الأنابيب)!.
أما زارة النفط فهي غائبة عن واجهة التصريحات، حيث لم توضح كميات الوقود المتوفرة للكهرباء، رغم أنها المعني الأول بذلك، حيث انتقلت (الكهرباء) إلى تحميل (النفط) عبئ اشتداد التقنين الأخير، حتى باتت هذه القضية تشكل نوعاً من الحساسية بين الوزارتين، وفقاً لمصدر من داخل وزارة الكهرباء.