ذوي الاحتياجات الخاصة: بين قهري الإعاقة والواقع!
ياسمين سراج الدين ياسمين سراج الدين

ذوي الاحتياجات الخاصة: بين قهري الإعاقة والواقع!

استهلكت الجمعيات والمهرجانات والحملات حول دعم ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم بالمجتمع، الكثير من المساحة الإعلامية قبل الأزمة، إلا أنها كما كل الفقاعات التنموية الليبرالية، لم تستطع أن تتحول إلى عمل جهاز دولة يرعى مواطنيه والضعفاء منهم تحديداً، لتأتي الأزمة وتدمج المعوقين فعلياً مع سواهم من السوريين في البؤس المشترك، ليعيشوها مضاعفة في ظل واقع اقتصادي- اجتماعي ضيّق الحياة عليهم وعلى معيليهم..

في العام 2009 أقرت الحكومة خطة وطنية لرعاية وتأهيل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تضمنت إصدار تقرير عن واقع الإعاقات والمعوقين في سورية، وإنشاء سجل وطني إحصائي للإعاقة، وبناء القدرات في مجال الكشف المبكر والمعالجة والتأهيل والتوعية المجتمعية، وتطوير وإنتاج وتقديم التقنيات والبدائل الخاصة للمعوقين، إلا أنها لم تفعَّل كالعديد من المشاريع التي ولدت لتموت بسبب تخلي جزئي للجهات الحكومية المعنية، واعتماد كبير على مؤسسات المجتمع المدني لأداء مهمات من هذا النوع، ما ترتب عليه الكثير من الإعلانات والصور، والخطط، والقليل من الإنجاز الفعلي..

 

استثناء معظم معوّقي الريف!..

المسوحات التي تمت من خلال مديرية الشؤون جاء معظمها مبنية على الطلبات المقدمة من «ذوي المعوقين»،  فبعدت عن توصيف واقع الإعاقة وتقسيم حالاتها إلى شرائح لمعرفة الإمكانات المتوفرة وبالتالي الاستجابة إلى متطلباتها، وكانت في غالبها محصورة بالمدن، ولم تسعى جدياً لإيصال المسوح إلى الريف السوري بشكل كامل، ما جعل أغلبه خارج الخارطة الإحصائية، وخلق صعوبات في حصر أعداد المعوقين وظروفهم، وطبيعة احتياجاتهم في المناطق الريفية.

سعت أغلب أسر المعاقين إلى الاستجابة للتسجيل على بطاقات الإعاقة خلال الأزمة، أملاً في الحصول على إعانة مالية أو عينية قد تساهم في تخفيف العبء المضاعف لتأمين جزء يسير من احتياجات المعوق إلا أن النتائج كانت بعيدة عن المأمول.

« دكاكين » خيرية..

الحال في المدينة ليس بأحسن من الريف فمع بداية الأزمة لم تظهر الجهات الحكومية في ميدان دعم المعوقين بشكل فعلي، وبينما بدأت حمّى الجمعيات والمبادرات الأهلية تنتشر طارحة برامج تنموية وتعليمية، وخطط دعم نفسي، للمعوقين وغيرهم، تبين لاحقاً في ظل «الازدحام الخيري» والانكفاء الحكومي، أن أغلب هذه الجمعيات شكلية، حصرت دورها في تقديم السلل الغذائية والدوائية، التي يعود مصدرها إلى المساعدات الدولية ذاتها، ليبدو أنها مجرد «دكاكين خيرية» تتلقى المعونات والأموال وتوزع الجزء اليسير، أي أنها لا تتعدى أن تكون صفقات رابحة، لذوي العلاقات بالجهات المانحة، والمتنفذين..

متطوعون سابقون.. 

أريج متطوعة سابقة في إحدى الجمعيات قالت لقاسيون: «معظم من يعمل في هذا المجال يقوم بتوزيع المساعدات العينية البسيطة التي لا تكفي الحد الأدنى في ظل الواقع القائم ودون تنفيذ كلمة واحدة من البرامج التنموية التي تم طرحها في التأسيس، فنحن نواجه وضع معقد حيث العديد من المعوقين لا يملكون فيه مصدر رزق، وربما خسروا معيلهم أو اضطروا للنزوح، ويجب أن يوجد من يضع مهمة مساعدتهم للانتقال من العوز إلى الإنتاج،  وهذا لا يمكن تطبيقه بالسلة الغذائية وحدها!..».

«أغيد» وصف الوضع بطريقة أخرى فقال: « لم يكن هناك مراقبة جدية من الشؤون الاجتماعية لعمل الجمعيات، حيث يقوم بعضها بسرقة جزء من الحصص الغذائية والمعونات المقدمة من المنظمات الإنسانية والمتبرعين أو تسجيل وتوزيع لأسماء وهمية، أو الاكتفاء بالتوزيع للحالات الآتية من مديرية الشؤون الاجتماعية، دون البحث عن الحالات الأخرى المنتشرة في المجتمع، في ظل تقصير من الشؤون، ومن الجمعيات»..

تنتشر الجمعيات بشكل كبير وعشوائي، وبمهمات جزئية وضيقة، بينما يقتصر  الجهد الحكومي على إشراف لا يجدي في ظل الظرف الحالي، ولذلك تبقى شريحة واسعة خارج إطار الدعم والرعاية، سواء من المعوقين أو غيرهم..

إن لم تصل للدعم.. لن يصل إليك!

حمزة شاب «35 عاماً» من ريف حلب الشرقي ولد ولديه حالة شلل دماغي، تحدثت لنا شقيقته خديجة عن حالته : « لم نكن نعلم بالمساعدات التي تقدمها مديرية الشؤون بما يخص إعانات المعوق في البداية لكن مع ازدياد العبء مع تقدمه في العمر أوصلنا للبحث، بعد أن سمعنا أنه قد يحصل على دعم زهيد مقداره  18000 ل.س سنوياً، إلا أن اشتعال الأزمة والظروف الأمنية وحالة أخي، قيدت حركتنا،  ومنعت متابعة الأمر، وبينما نحن لم نستطع  الوصول والتسجيل، فإن أحداً لم يسع ليصل إلينا، لا جهة حكومية أو جمعية أو منظمة!..».

حتى في المدينة..

لم يخفف وجود «أبو أمين » في المدينة من الظرف الصعب لابنته «15 عاماً» المصابة بالشلل الدماغي فيقول: «تواصلت مع العديد من الجمعيات الخيرية لتلقّي بعض الإعانات، وخاصة الأدوية دون أن أتلقى شيئاً، فيتم تأجيلي من شهر لآخر لقاء كيس واحد من الغيارات، لا يكفيني لثلاث أيام مع حالتها هذه وهو يكلف في السوق من 800 - 1000 ل.س وهذا مبلغ يفوق قدرتي المادية في هذا الظرف وحتى قبله!..»

« ظلال » المصابة بتخلف عقلي تحدثت والدتها لقاسيون عن معاناتها «منذ اندلاع الأزمة هاجر طبيبها المشرف على حالتها كما غيره إلى الخارج ما وضعني أمام مشكلة تأمين الدواء، فأدويتها لا يمكن أن تصرف إلا بموجب وصفات طبية حصراً،  في ظل النقص الحاد في الدواء وهي بحاجة لها بشكل مستمر، وما يزيد الوضع سوءاً صعوبة إيجاد طبيب كفؤ لاستكمال العلاج لها بسبب النقص في هذا النوع من الاختصاصات..» 

«جيل من المصابين!..»

صدر بتاريخ 10 آذار 2015 عن المؤسسة الدولية للمعوقين تقرير تحدث عن أعداد الجرحى الذي قارب المليون بفعل الحرب الدائرة في البلاد، مفيداً بأن عشرات الآلاف منهم بحاجة إلى أطراف صناعية في حين يحتاج عشرات آلاف آخرين إلى علاج العظام وإعادة تأهيل طويل الأمد.

يقول التقرير: «في سورية..أصبح هناك جيل من المصابين المشوهين الذين يحتاجون إلى رعاية»!

في سورية اليوم أكثر من 1176 جمعية ومنظمة تعنى بالإغاثة، وعشرات مليارات الدولارات الموزعة من خلالها، وضعفاء السوريين يزدادون ضعفاً 

صراع البقاء.. يدمج المعوقين فعلياً 

بعيداً عن شعارات طنانة حول دمج المعوقين في المجتمع، فإن الأزمة، كانت كفيلة في دمج هذه الفئة مع غيرها وليندفعوا كغيرهم من ضعفاء السوريين إلى أنواع العمل الشاق، وطوابير الانتظار، لأن البطالة والفقر يضعهم أمام خيارين، إما الاندماج بالشقاء، أو الفناء..

«رُقية» طفلة في الخامسة عشر من عمرها ولدت ولديها متلازمة داون، النظرة الاجتماعية أبقتها حبيسة المنزل في سنوات عمرها الأولى، إلا أن الأزمة وما فرضته من واقع أجبرها على الوقوف في طوابير المياه لساعات طويلة تحت الشمس فتصارع كأقرانها من الأطفال للحصول على ماء الشرب في مدينة حلب..

كذلك الأمر بالنسبة لـ«عادل» المصاب بالتوحد، الذي يأخذ يومياً مساراً محدداً في الحي، لتأمين متطلبات والديه العجوزين، لينتظر على طوابير المياه والغاز والخبز..

أما «أيهم» وهو شاب كفيف «25 عاماً » كان عبئه أكبر حيث لا يوجد معيل له، ولا يملك عملاً يكسب منه رزقه، لذلك لجأ لحمل صندوقه الصغير والجلوس على أحد الأرصفة، ليبيع ما تيسر له من مأكولات الأطفال لمدة تتجاوز ثمان ساعات متواصلة على أحد أرصفة حلب، مقابل دخل يومي لا يكفي رغيف خبزه في بعض الأحيان!..